قصة قصيرة
الشروق الجميل
الأديب الراقي
عبد الفتاح حموده
............
الشروق الجميل
منذ صغري وأنا أعاني في حياتي مالم يعاني منه أحد أبدا..
ولم يفارقني الحزن وكأني خلقت خصيصا له..
وكأن الشقاء قد رفض أن يتركني لحظه واحده أسعد فيها..
فلا أذكر موقفا سعدت فيه أتحدث عنه حتى أكون منصفه في سرد الشقاء الذي بلغ ذروته وعشته لحظه بلحظه.
فمنذ نعومه أظفاري وأمي كانت تعاملني بمنتهى القسوة لدرجه أنها كانت تقسو علئ بالضرب بقطعه من الخشب مثبت في طرفها مسمار مدبب أوتكوي أي جزء من جسدي بسكين وضعته علي النار وكأنها زوجه أبي ولا تطيق وجودي أو كأنني لست أبنتها.. فقد كانت ترى أن القسوة في تربية الفتاه الريفية أمرا طبيعيا خشيه أن تنساق وراء اللاتي في المدينة وما يتنقل عنهن من أخبار من هنا أو هناك.
أما أبي فقد كان مثل بعض الآباء يرى أن دوره في الحياه قاصرا على توفير احتياجات البيت فلم أذكر أنه ضمني إليه في رفق وحنان كما يفعل الآباء غالبا ولم ينكرعلي أمي قسوتها في تربيتي بل أغمض عينيه حتى عن الاسم الذي اختارته أمي عند مولدي وهو اسم موضع سخريه من كل من يسمعه.
وعندما تقدم للزواج مني أحد شباب قريتنا سعدت بذلك على أمل الخروج مما أجده من قسوة بالغه وما هي إلا بضعه أيام قليلة
سرعان ما شعرت كأنني لم أغادر بيت أبي فقد كان زوجى هو الآخر لايقل قسوة في التعامل معي عن قسوة أمي وكأنها حذرته من التراخي في التعامل معي لدرجه أنه قد أحبط محاوله انتحار كادت تؤدي إلى حتفي.
ووجدته قد بدأ يلاطفني ويعاملني في منتهى الرقة وأنا في غايه الدهشة حتى أيقنت أنه قد فعل ذلك للحصول على السلسلة الذهبية الوحيدة التي امتلكهافأضطررت لاعطائها له لبيعها ليتمكن من السفر للعمل في إحدى دول الخليج.
ولما عاد بعد بضعه سنوات دفع كل مايملك في شراء قطعه أرض زراعية تبين فيما بعد أنه أشتراها من رجل أوهمه أنه صاحبها بأوراق مزوره.
وذات يوم سقط زوجى مغشيا عليه وحمله بعض الناس وقد فارق الحياه على الفور.
وهكذا رحل زوجى وتركني صفر اليدين لا أملك قرشا واحدا..
ولم أرغب في اللجوء إلى أمي فقد فررت منها بلا عوده الأمر الذي اضطررت للعمل سواء في سوق القرية أبيع واشتري أو أعمل في أرض زراعية
أو اعطي دروسا خصوصيه لبعض أطفال القرية أو... الخ ولم انم في يومي إلا سويعات قليله
وان كان الأمر قاصرا على نفسي فقط فلن أبالي ولكن كل ما كنت أفعله من أجل أولادي. وقد اعرضت عن الزواج نهائيا من أجلهم وآخر من رفضت الزواج منه هو شقيق زوجى فلم أعد أستطيع أن أتحمل المزيد من المعاناه ومن تتحمل مثلي ما تحملته.
ووقفت ذات يوم أمام المرآه وبكيت بشده ما آلت إليه حياتي ونسيت إني امرأه لها كيانها ومشاعرها.. غيري تنعم بحياتها وأنا أشقي فيها.. غيري تجد من يتحمل عنها وأنا أحمل فوق رأسي وطأه المسئولية.. غيري تجد من يحنو عليها ويضمها إليه في رفق ومودة وأنا أعيش وكأن الحياه قد خلت إلا مني.. تحطمت..
انهارت قواي.. وفي حركه لا اراديه أمسكت المقص ونزعت شعر رأسي كله فأنا أي شيء إلا أن أكون امرأه ابدا.
ظللت على هذا الحال حتى حدثت المفاجأة الكبري فمنذ بضعة أيام انتشرت الأنباء عن انتشار فيرس الكورونا في العالم كله
وبالتالى لم أعد أستطيع العمل إلا خلال الساعات المسموح لنا التحرك خلالها.
وذات يوم جفاني النوم ووجدت هاتف ابنى الجوال ففتحته لكي أقرأ كل ماتقع عليه عيناي
حتى استوقفي مقالا أعجبني كثيرا (دعوه للتفاؤل) الذي نشره الأستاذ عبد الوهاب مطاوع وما أحوجني لمن يخرجنى مما أعاني منه ومن الإحباط الشديد الذي أشعر به.
فبادرت إلى الكتابة له في صفحته الخاصة فرحب بي ترحيبا طيبا ووجدته أبا رحيما عطوفا.. استطاع بسعة صدره وهدوءه المميز.. وتأثيره العجيب في أن يجعلني أشعر كأنني أعرفه منذ زمن بعيد واستطاع ببساطته وحسن متابعته أن يجعلني أتحدث معه في كل ما قاسيت منه في حياتي
فقد جعلنى أشعر كأنه الأب الذي افتقدته ومن يومها أصبح كاالشروق الجميل الذي أشرق وجوده ظلمه حياتي.
..........
مع تحياتي (عبدالفتاح حموده)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق