قراءات نقدية ودراسات تحليلية للنصوص الأدبية
بقلم الأديب المبدع
هاني الشرقاوي
.........★ قراءات نقدية ودراسات تحليلية للنصوص الأدبية بمختلف أجناسها؛ للوقوف على نقاط القوة ومواطن الضعف بغض النظر عن كاتبها وحجمه الأدبي.
★ الدراسة السابعة
نص من جنس
الومضة القصصية
بعنوان ( قطيع )
للكاتبة/ سوسن سلمان
★★★★★
قطيعٌ
قادهم أعمى؛ قدسوا عصاه.
الكاتبة المبدعة/ سوسن سلمان
★ الكاتبة/ سوسن سلمان كاتبة تنبض حروفها بأوجاع الناس وتحس بآلامهم.
قلمها صارم لا يرضى بالحلول الوسط، ولا ينافق أو يجامل، وهذا ما يجب أن يتحلى به كل أديب وكاتب؛ لأن سلاحه هو قلمه وكلماته هي الذخيرة.
★ استوقفتني الومضة كثيرا كثيرا فهي ومضة مبتكرة غير تقليدية مواكبة للواقع تصرخ حروفها من الجهل الذي نخر في العقول وتتبرأ كلماتها من الضعف والهوان والتخلف الذي أصاب القلوب بالصدأ.
★ الومضة اجتمعت لها عوامل القوة والنجاح بفضل مهارة الكاتبة وسلاسة أدواتها.
فكرة رائعة
عنوان مدهش خدم الفكرة، ألفاظ معبرة.
لا توجد أخطاء إملائية أو نحوية، تبرز فيها المفارقة بوضوح حتى بين كلمتي الشطرة الواحدة، النتيجة مفاجئة والقفلة مدهشة ومباغتة.
★★ العنوان هو ( قطيع) عنوان فاضح وقاس جدا يصف بكل قسوة وسخرية حال هؤلاء القوم التافهين والفاسدين والفاسقين.
__قطيع/ اسم صيغته ( فعيل) وفعله ( قطع) فعل مجرد ثلاثي بمعنى بتر وفصل ومزق.
__ والقطيع لها أكثر من مدلول لغوي _ لا يتسع المجال لحصرها _ ولكن نختار ما يناسب ومضتنا، فهي عادة تطلق على الطائفة من الغنم والإبل والبقر والجاموس.
__ وقطيع تجمع على قطعان وأقاطع.
★ وقد برعت الكاتبة في رسم صورة واقعية لهؤلاء القوم، ففضحتهم وعرت سرائرهم حتى جعلتنا جميعا ننبذ هؤلاء البشر ولا نقبل لهم أعذارا، كل ذلك من خلال العنوان الذي شوقنا لمعرفة الحكاية.
............
★★ ( قادهم أعمى ) الشطرة الأولى من ومضتنا
قادهم/ الفعل قاد يقود قيادا وقيادة بمعنى سادهم وترأسهم وساقهم وتولى أمرهم ووجههم.
_ وكم وفقت الكاتبة في اختيارها للفعل ( قاد) بدلا من ( ترأس) الذي يعني أدار وصار رئيسهم لكن ربما دون صلاحيات أو سلطات، لكن القوة في الفعل( قاد) تكمن في قوة نفوذه وتأثيره عليهم ومدى انصياعهم له ولأوامره.
★ والقائد هو الشخص الذي له شخصية متفردة ويملك مقومات نادرة يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف معينة.
★ وحبذا أن اتخذ هؤلاء القوم قائدا لهم يأتمرون بأمره وينفذون توجيهاته حتى لا تتفرق كلمتهم وتتمزق صفوفهم؛ لأنه لابد للمجتمعات البشرية من قيادة بارعة ومتفردة ترتب حياتهم وتقيم العدل والحق بينهم.
فلقد أوصى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك حين قال:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".
★ إذن لابد أن يجمع القائد خصالًا وصفات وطبائع قلما توجد في غيره كالقوة والأمانة والشجاعة واللياقة والحكمة والتدين ورجاحة العقل والثبات على الحق .... إلخ.
_ وقديما قال " نابليون بونابرت": ( جيش من الأرانب يقوده أسد أفضل من جيش من أسود يقوده أرنب).
_ وهناك مثل فارسي يقول:" أسوس الناس من قاد أبدان الناس إلى طاعته بقلوبهم".
★ ولكن لابد من وقفة.
من القائد الذي اختاره هؤلاء ؟
هل يملك شجاعة حمزة؟!!
هل يعدل عدل عمر؟!!
هل فقيه كابن عباس؟!!
أم عالم كعلي بن أبي طالب؟!
هل بارع كخالد بن الوليد؟!!
أم في ذكاء عمرو بن العاص؟!!
هل ثبت على الحق كما ثبت الأنبياء؟!!
هل درس سيرة صلاح الدين وقطز وبيبرس؟!!
هل تأثر بعمر المختار ؟!!
هل سمع عن جيفارا؟!!
هل قرأ عن نصر أكتوبر وتحرير الأرض من أعداء الأمة؟!!!
هل وهل وهل .....
لو سألتهم هذه الأسئلة لأجابوك: بالطبع لا ليس من هؤلاء.
إذن من قائدكم؟
_ تجيب الكاتبة عنهم لتهتك سرهم وتفضحهم أنهم قادهم أعمى !!
نعم هي كذلك ( قادهم أعمى ) لا تستغرب فنحن في زمن العجائب والغرائب الذي يتصدر فيه المشهد كل تافه وفاسد وفاسق.
_ لا تستغربوا فهؤلاء قوم إمعة لا حول لهم ولا قوة، إنهم مترددون يغطون في جهل عميق لا يثبتون على رأي .
_ لا تدهشوا فنحن في زمن اتخذ فيه الناس رؤوس جهال في زمن نشأ فيه الجهل وترعرع التخلف والفساد وقل العلم ونقص الإيمان ونطق فيه الرويبضة، ونصب فيه الصحفي نفسه فقيها والإعلامى مشرعا والفاسق قاضيا، بل أصبح الحديث من ديدن التافهين والفاسدين والفاسقين.
★وهناك فارق لغوي بين ( الأعمى والأكمه والضرير )
الأعمى/ هو ما يكون أعمى البصر والقلب.
الأكمه / هو من ولد أعمى وتكون للبصر فقط.
الضرير / هو من أضره العمى بعد إبصار.
★ وما يملك هذا الأعمى من مقومات أو خصال ليسوس الناس ويقودهم ويأتمرون بأمره، وهو أكثر الناس احتياجا للمساعدة والشفقة.
_ إنه لا يملك من أمره شيئا سوى أنه وجد قوما ضالين تافهين منغمسين في الذنوب والشهوات لا يفيقون من سكرات الجهل والتخلف، فسهل عليه اقتيادهم والسيطرة على عقولهم الواهية ونفوسهم المريضة.
★ ولكني أقول لك بأن هذا القائد الأعمى ليس شرطا أن يكون أعمى البصر بل بالتأكيد أعمى البصيرة قاسي القلب صلد المشاعر نزعت الرحمة من قلبه قاد الناس بقوته ونفوذه وجبروته وساسهم بمكره ودهائه، فأخضعهم وسيطر عليهم.
★ويزخر التاريخ بكثير من أمثال هؤلاء ممن أصيبوا بجنون العظمة وضيعوا الأوطان وخربوا العقول وقتلوا وشردوا الملايين.
_ فماذا جنى العالم من أمثال هولاكو وهتلر وموسوليني سوى الخراب والدمار
وماذا استفادت البشرية من الطغاة والفاسدين والفاسقين سوى مزيد من سفك الدماء وتمزق الصفوف والخراب والتشريد.
_ ولكن هؤلاء الحكام ظلوا في الحكم عشرات السنين؛ لأنهم وجدوا قطيعا من أجساد عطلت عقولها وخربت ضمائرها غرقوا في بحور من الجهل والتخلف وألقوا بأنفسهم في غياهب الفساد والظلم، ألفوا الذل واستساغوا المهانة، فحكمهم هؤلاء وسيطروا عليهم وكبلوا حريتهم وداسوا على كرامتهم.
......................
★ ( قدسوا عصاه) الشطرة الثانية من ومضتنا
إن المتأمل للومضة وقد قرأ نصفها الأول لابد أن يتوقع النتيجة، فلابد أن هذا الأعمى قد أهلك رعيته وأوردهم موارد الخراب والدمار والهلاك، لكننا فوجئنا بالنتيجة المباغتة بأنهم لم ينسلخوا عنه ولم يثوروا على جهله وظلمه بل بجلوه وعظموا شأنه، وكأنهم خلقوا ليكونوا أذلاء وعبيدا رغم أن الله كرمهم وخلفهم أحرارا إلا أنهم أبوا إلا الذل والمهانة، فليلقوا جزاءهم الذي يستحقونه.
كما أن الكاتبة لم ترض لهم إلا مزيدا من الذل والعبودية؛ لأنهم ارتضوا ذلك.
★ قدّسوا فعل ثلاثي مزيد بالتضعيف بمعنى عظموا ووقروا واحترموا وبجلوا.
فهل قدسوا كلامه؟
وهل عظموا حكمته؟
وهل اعجبوا بتقواه وورعه؟
وهل أبهرتهم صولاته وجولاته الحربية؟
وهل اقتدوا بعدله؟
_ لا شيء مما سبق .. بل قدسوا عصاه.
قدسوا عصاه!!!
نعم قدسوا عصاه.
★ العصا هي كل ما يتخذ من خشب وغيره وتستخدم لأغراض شتى كالضرب ورعي الغنم والتوكؤ وغير ذلك. وهي كلمة مؤنثة تجمع على (عصى) بضم العين وكسرها، و( عصوات)
★ وهناك فارق لغوي بين ( عصا ومضارعه يعصو ) وبين ( عصا ومضارعه يعصي)
فالأول بمعنى ضرب ضربا بالعصا المعروفة.
والثاني بمعنى خالف وخرج عن الطاعة.
★ وأرى أن الكاتبة قد جانبها الصواب في اختيارها للفعل ( قدسوا) مع كلمة ( عصاه) فالتقديس والتبجيل يكون للشيء النفيس كالدين والوطن مثلا، قد يحب الإنسان وقد يفضل كتابًا أو طعامًا أوبالطبع شرابًا أو ملبسًا لكننا لم نسمع عن أن أحدا قدس صاروخا أو مدفعا أو عصا.
★ هناك ملحدون ومشركون لا قدسية عندهم لأحد، بل منهم من يقدس ويعبد الشمس والكواكب والبهائم وهم ليسوا مجال حديثنا فهؤلاء طبع الله على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم.لكننا نتحدث عن قوم من جنسنا ويدينون بديننا،
★ لذلك كنت أرى أن الفعل ( قرعتهم ) هو الأنسب لكلمة ( عصاه) لأن العصا لا تناسبها القدسية ولا يليق بها التبحيل، فهي أداة بطش ورمز للظلم والقهر والجبروت، وحتى يلقى هؤلاء جزاءهم العادل ممن أعانوه على الظلم والبطش فمن أعان ظالما ذل على يديه.
★ والعبيد فقط هم من يقرعون بالعصا وتحن ظهورهم للسع السياط
هم سبب بلاء الأمم وضياع القيم والحقوق.
هم البيئة الخصبة التي يترعرع فيها الطغاة ويشب المتجبرون.
هم من شيدوا الظلم وبنوا القهر ولعقوا أحذية الذل والمهانة.
هؤلاء عطلوا عقولهم وشغلتهم الأموال والمناصب وألهتهم الدنبا وسجنوا أنفسهم في سجون التخلف والجمود.
هم جنود فرعون في كل مكان حتى ولو لم يشاركوا في قتل أو فساد، ولكنهم ارتضوا بالظلم وسكنوا عن نصرة الحق ،وصاروا إمعة لا حجة لهم ولا رأي لهم.
★ ويوميا أقابل أمثال هؤلاء فوددت لو أمسكت بهذه العصا وأشبعتهم ضربا حتى أوجعتهم وحررت الأوطان من سلبيتهم وغبائهم.
★ ما أجملها من ومضة!!
وما أروعه من إبداع!!
★ سلمت يداك كاتبتنا المبدعة على هذه اللوحة الفنية من الإبداع والرقي
ودام مداد قلمك على هذه الومضة والتي كانت _ بحق _ من أجمل ما قرأت في عالم الوميض.
دام ألقك وإبداعك.
......
( ملحوظة )
*********
* هذه الدراسة منشورة ضمن مشاركتي في الكتاب المشترك ( نبض المبدعين العرب ) في نسخته الثالثة عشر والذي سيشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة بمشيئة الله
بعدسة الأديب /
هاني الشرقاوي
( ابن الكنانة )
..............
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق