قراءة لنص أدبي..
الإسطورةُ..
للأديب الناقد الراقي
صاحب ساجت
Sahib Sachit
/العراق
............
قراءة لنص أدبي..
الإسطورةُ..
وَ بُعدُها الفِكري في النَّصِّ!
المقدمة:-
" عِشتارُ " عنوانُ نصٍّ لــ "قصةٍ قصيرةٍ جدًا " بعشرين كلمةً أو أقلَّ، نحاولُ أن نقدّمَ عنهُ في أدناه قراءةً بسيطةً و متواضعةً.. و العنوانُ بالأصلِ هو العتبةُ التي يدخلُ منها المتلقي عالمَ النّصِّ.
فَمَنْ هي عشتارُ؟
عشتارُ (Ishtar )ملكةُ الجنَّة، إلٰهةُ الحُبِّ وَ الجمالِ، الحربِ والتضحيةِ عندَ حضاراتِ بلاد الرافدين. و هي "كوكبُ الزُهرة" نجمةُ الصباحِ و المساءِ.
إسطورةٌ وصلتْ إلينا عن طريقِ
الحفرياتِ و التنقيبِ، و بعدَ فَكِّ شفرةِ صورِها و رموزِها اللُّغويةِ المنقوشةِ على جدران المعابد و الألواحِ الطينيةِ، و قراءةُ الصُّورِ و التماثيل و معرفة معالمها و شخوصِها...
أصلُ المَوضوعِ:-
نصٌّ بعنوانِ:- عشتارُ
( تاقت نفسها للانعتاق، حلّقت عاليا،عانقت الغيمات، وقبل النزول تهاطل المطر، فنبت لها جناحان
و مظلة، لم ترتطم، لم تتشظّ لكن سمعت صوت الانكسار.)
الكاتبةُ:- سيدة بن جازية/تونس
قراءة:- صاحب ساجت/العراق
أولًا:-
رَمزيةُ عشتار وَ تحولاتُها في النَّصِّ..
تتمثلُ في حضورٍ أنثويٍّ فاتنٍ عَـبَّرَ عنـه النصُّ بـذكرِ ملامح حُلْمٍ، ناشـدَ فيه مـا يتمنـاهُ و يريـدهُ مـنَ الحيـاةِ باعتبار الجمالِ سحرٌ يبعثُ لِما هو أفضلُ.
ظاهرُ النصِّ:-
تاقتْ نفسٌ.. وَ نَزعتْ إلى ما هو جَللٌ، وَ هَمَّتْ بفعلٍ لا يأتي بالهيِّنِ
إنّما يوازي و يساوي مقدارُ الهَمِّ و المَيلِ.. ما تَصبو إليهِ.
باطنُ النصِّ:-
ما اَعظمَ الإنعتاق، و التحرر من العبوديةِ، حتىٰ لو لم يظهرْ للعَيان ماديًا، فالنفسُ خلقةٌ محسوسةٌ، و ما تَصبو إليهِ قطعًا هو محسوسٌ.. غيرُ ملموسٍ ماديًا، إلّا اللممُ.
ما وقعَ بعدَ هذا التَّوقِ مصداقٌ لِما تنبَّأَ بهِ النصُّ، سواءٌ في التحليقِ عاليًا، أو عناقِ السُّحبِ و استدرارها كي تعطي حليبًا شفافًا ليسقي أرضًا يبابًا،
و نفوسًا عجافًا، بحيث تَمثَّلَ بأمرين:-
* الأولُ.. (فنبت لها جناحان)
بغيةَ الحركةِ و الانتقالِ من حالٍ إلـىٰ حالٍ، وَيْكَأَنَّ الريشَ عشبٌ لا يُسْبَغُ نَموُّهُ، وَ لا يؤازرُ بعضُهُ بعضًا إلّا وجودُ سببٍ لإنباتهِ في الأجنحةِ.. و كانَ ما كانَ!
* أمّا الثاني.. ( و مظلةٌ)
الأمرُ مُخْتَلِفٌ هنا، لا سيَّما "المظلةُ" تُصنَعُ بفعلِ صانعٍ لغرضِ حماية حاملها لِيَدرَأَ بها حرَّ الشمسِ أو زخاتِ مطرٍ، أو.. (يأتي البيانُ عنهُ ضمنًا)!
و في الحالين تحقَّقَ هطولُ المطرِ، و عمَّتْ فائدتهُ، و مَنْ تَضررَ منهُ.. اِتَّقاهُ بما يتناسبُ مع الموقفِ، في حينها، بوسيلةٍ يعزُّ عليه أن يفرِّطَ بها في لحظةِ الحاجةِ.
بَيْدَ أنَّ المتلقي يتلمسُ سِرًّا إختبأَ وراءَ مفردةِ "المظلة"، توافرَ لديه وجودهُ و هو يستعرضُ و يقلِّبُ تُلكُمُ المفردَةَ في تفكيرهِ..
لِمَ لا تكونَ قَشَّةَ نجاةٍ تشبَّثَ بها مَنْ صعدَ عاليًا في تحليقهِ و خرَّ خائبًا منَ البقاءِ في الأعالي؟
هنا يأتي سببُ اختيارِ العنونةِ..
ثانيًا:- الٕاسطورةُ !
الٔادبُ الحديثُ و المعاصرُ عرفَ موجاتٍ منَ التغييرِ في ظلِّ أحداثٍ معاشيةٍ صعبةٍ عانتْ منها شعوبٌ
و لاقتْ أصنافَ الظُلم و الإضطهاد، ممّا حَدا بها إلى رفضِ الواقعِ و النضال ضدَّهُ.
من هنا تصدىٰ الأديب و الكاتبُ المثقفُ بصورٍ خياليةٍ لهذه المعاناةِ مستعملًا قناعَ الإسطورةِ، ذاتَ الدلالات المتقاطعةِ مع الحاضرِ، كما نلمسهُ في إسطورة عشتار التي تبينُ مدىٰ التناقضِ بين "بعثِ الأمل" و "نبذِ الإنهزاميةِ"، عِبْرَ جَمْعِها المُتناقضينِ.. الحبُّ و الحربُ!
و عشتار نجمةُ الصباحِ...
إلٰهةُ الحبِّ و الحربِ،
إلٰهةُ الجمالِ و التضحيةِ،
إلٰهةُ الإنوثةِ و الخصوبةِ وَ مُنْجِبَةُ الحَياةَ!
ذاتُ جمالٍ باهرٍ، تدورُ بين البشرِ بحثًا عن ضحايا، تأخذُ ما يملكون وَتتركهُم لأحلامهم، يندبون حظَّهم العاثرَ!
لٰكنها.. لَمَّا قُتِلَ زوجُها " تموز " حزنتْ عليه كثيرًا، و صمَّمتْ على النزولِ إلى عالم الموتىٰ، لترىٰ تموز هناك و ذٰلك.. قِمَّةُ التضحيةِ طوعًا، و الإنتماء إلى عالمٍ آخرَ.
الصعودُ ثمَّ النزولُ.. و بالعكسِ، دَيْدَنُها، و لا ضيرَ في ذلك عندما نعرفُ أنَّ نصفَها إلٰهٌ/سماويٌّ، و الآخرُ إنسانٌ/أرضيٌّ، عاشتْ تُدَبِّرُ شؤونَ (عِبادِها) و هُم يتضرعون لها في (المعابدِ)، و تُشْبِعُ رغباتِها في السمُو وَ بينَ عشِّاقها.
ثَالثًا:-
النصُّ الذي بين أيدينا ينحُو مَنحَىٰ مضمونِ الإسطورةِ، و لِرُبَّما دونَ قصدٍ من الكاتبةِ الاستاذةِ "سيدة بن جازية"، على الرُّغمِ أنَّ بطلةَ النصِّ تُحلِّقُ عاليًا، توقًا للتَّحرُّرِ منَ الحيفِ الذي لاقتهُ! و راحتْ تتوسلُ بالغيماتِ عَلَّها تدرُّ عليها ما يُحيي الأملَ فيها، و يعيدُ لها الحَولَ و القوَّةَ، بَيدَ أنّها سرعانَ ما هَوَتْ كنجمةٍ في السماء، لم يُلْحَظْ تصادمٌ أو تَشظٍّ، لٰكن صوتُ الإنكسارِ شكَّلَ هاجسًا أليمًا في النفوسِ..
فأيُّ تناقضٍ كبيرٍ تعمَّدتِ الكاتبةُ أنْ
تُوجِدَهُ في نصِّها القصيرِ؟
(انعتاقٌ- عبوديةٌ، صعودٌ وَ هَوي، هُطولٌ- نَمو، صوتُ انكسارٍ دونَ تَشظٍّ أو ارتطام)!!
هذا حالُ "عشتار" النصِّ، و هو يُحاكي "عشتار" الإسطورةِ، و إنْ لمْ يَحاكِ.. فهو يتناغمُ بينَ "عشتارين"!
وَ شتانَ بينهما...
أَخــــــــيرًا...
المُتلقي -قاريءً أو مستمعًا- لأيِّ نصٍّ أدبي، يَحسبُ لهُ الحقَّ في تفسيرِ أو تأويلِ نصٍّ طالما تمَّ عرضهُ و نشرهُ على الملأ، و بما يراهُ هو!
لانَّ عمليةَ الٕانتاجِ الأدبي تنطوي على عمليةِ توصيلٍ بين مرسلٍ مبادرٍ ايجابيٍّ.. و مُتلقٍ مستجيبٍ سلبيٍّ!
و المتلقي يؤثرُ على فهمِ و معنىٰ النصِّ الأدبي، بفضلِ إمكاناتهِ الشخصيةِ في الثقافة و التجارب ، لأنَّه ينطلقُ من خلفيةٍ ثقافيةٍ تمكِّنهُ من فهمِ المعاني
وَ الرُّموز التي يحملُها النصُّ، و له اسهاماتٌ جادَّةٌ في تفسيرِ و تأويلِ و تحليلِ النصوصِ، مركِّزًا على الإسلوب أو المفردات و المعاني المَخفيةِ.
الكاتبةُ قدمتْ نصها البديعَ، و لها فهمَها الخاصُّ، و ما دَوَّنَّاهُ و عرضناهُ في هذه القراءةِ.. هو تعضيدٌ و دعمٌ للكاتبةِ عندما سحبنا النصَّ و ما نَوَّهَ إليهِ، إلى عالمِ إسطورةٍ وُلِدتْ في مجالات الإبداع، مع ولادةِ التعبيرِ عن الأفكارِ و المشاعرِ لدىٰ الٕانسانِ، رُغمَ مشكلاتٍ تواجههُ سواء في اللُّغةِ أو الفهمِ العامِّ للإيحاءات، و تحتَ ظروفٍ- ذاتية أو موضوعيةٍ- قاسيةٍ أحيانًا.
التحايا الطيبةُ للمبدعةِ في نصِّها (عشتار)، و أرجو أنْ أكونَ موفَّقًا فيما ذهبتُ إليهِ، بربطِ النصِّ بالإسطورةِ المعروفةِ، وَ عذرًا لو أنِّي أقحَمْتُ فهمي الخاصِّ للنصِّ، وَ أحدثْتُ بَلْبَلةً في التَّفكيرِ و فهمِ النصِّ، و الذي قد لا يتحملُ كلَّ ما ذهبْتُ إليهِ!
(صاحب ساجت/العراق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق