القصة القصيرة
" الشاطىء وكأس شاي "
الأديب الراقي
وليد الباشا
..........
" الشاطىء وكأس شاي "
المساء يدنو خجلاً ؛ الغسق يتكاثف في أعالي البحر ؛ الموج يعلو وينخفض كأرجوحة طفل صغير ؛ الزبد يقترب مني لكنه يخجل فيبتعد إلى التلاشي ؛ الرؤيا تتقلص كماء دخل الثلاجة ؛ الريح تهب خفيفة كريش نعام مزركش .
هناك على شاطىء صخري يمخره رصيف صغير بالكاد يتسع لقدمين فقط ؛ بينما تتغلغل المياه بين الصخور لتصل خلسة إلى أقدامنا العارية ؛ ومع ازدياد احمرار ما وراء المياه كان وجهك يزداد جمالاً و رونقاً ؛ كنت أختلس النظرات كي احفظ شيء ما من هذا الوهج الإلهي المهيب .
انتعش الطفل النادل عندما أخبرته بأننا سنشرب الشاي ؛ ترك ابنسامة جميلة مليئة بالامتنان وعاد أدراجه مسرعاً وهو يردد
( سأعود ؛ سأعود )
تأملته كثيراً لعله في تلك اللحظة كان منافسك المباشر في مرمى عيناي لكني اصطدت نظرة شغف إلى شفتيك ثم أخفيتها بين خافقي .
تعلقت نظراتي كثيرا بتلك السفينة التي كانت تمخر عباب البحر ؛ حتى لم يبق منها سوى أنوار تخفت بالتدريج حتى تلاشت هي الأخرى .
لم تكن الجزيرة المواجهة سوى أضواء تتكاثف مع حلول العتمة رويداً رويداً ؛ إنه منظر إلهي بامتياز ؛ لكنه لم يستطع أن يتفوق لبرهة وجيزة على جمال عينيك وتألق ثغرك وسحر ابتسامتك .
عاد النادل الطفل يحمل قبسا من فحم مجمر ؛ وفي اليد الأخرى كان يتأبط كأسين من الماء يجاورهما ظرفين من الشاي وبعض السكر .
علا المزاح بيننا ؛ ضحك النادل الطفل كثيرا جدا ؛ تمتم بكلمات لم أفهمها ثم غادر مرة أخرى .
وضعت الظرف بالكأس المملوء بالماء الساخن حتى صبغ بالأحمر ؛ كنت حينها أراقب عن كثب ؛ ولعلي كنت أتحدث عن أمر ما ؛ الرياح كانت تغازل وجهي ؛ والغيوم انتشرت في السماء كعادتها في الشواطئ ؛ دار الظرف الممزوج بالشاي والسكر في الهواء ؛ تطايروا جميعاً مع الريح لكنهم حطوا الرحال على وجهي وثيابي ؛ كانت نظراتنا معلقة ببعضها البعض ؛ لم يتسع الشاطىء لضحكاتنا آنذاك :
( ماذا فعلت يا فتاة ) ...
ماذا أفعل لهذه الثياب التي أصبحت بلون الأفق ؛ قلت لك !!! ... لكنك أجبت بضحكة ملأت الدنيا على رحابتها .
لابد من فعل شيء ما ؛ وقبل أن أترك مكاني حضر المطر فجأة ...
أتذكرين ....
وليد.ع.العايش
٧ / ٧ / ٢٠٢٤ م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق