القصة القصيرة
الوداع الأخير
الأديب الراقي
عماد سالم أبوالعطا
.......
الوداع الأخير
أحضان دافئة وضحكات بريئة ملأت منزل رانية وزوجها وسام بعد سنوات طويلة
من الانتظار
لكن سُرعان ما اكتشفوا أن هذه السعادة تحمل مُفاجآت غير متوقعة
هل نظره واحدة في عيني طفليهما كانت كافية لتُعيد رسم ملامح حُبهما ؟
أم أن هُناك جُرحاً خفياً يختفي خلف سعادتهما الظاهرة ؟
لم تتخيل رانية يوماً أن الانتظار قد يطول إلى هذا الحد
عشر سنوات مرت كالأحلام كُل يوم يحمل معهُ أملاً جديداً وخوفاً من الفشل
عشر سنوات من الانتظار وثلاث عمليات جراحية
كُل واحدة منها تضحية وكُل فشل منها تزيد من عُمق جراح رانية وزوجها وسام
رغم اليأس الذي يُحيط بهما ظلا يمسكان بخيط أمل
وأصرا على مواصلة رحلة علاجهما الشاقة
وفي يوم مُشمس من أيام الربيع جاءت النتيجة التي طال انتظارهما .. حملت
رانية بتوأم
عندما سمعا نبض قلبيهما الصغيرين لأول مرة
احتضنت رانية طفليها ثمرة صبر وعشق لا حدود لهما
أمسكت بأيديهما الصغيرتين وشعرت بأن العالم كله يدور حولهما
نظرا في عيونهما وتخيلوا المُستقبل المُشرق الذي ينتظرهما معاً
تلك اللحظة كانت فاتحة خير على حياتهما
بداية فصل جديد مليء بالأمل
يوماً بعد يوم يكتبان حروف قصة حبهما متجاوزين كُل الصعاب التي واجهوها
كانوا مُتفائلين بالمُستقبل مؤمنين بأن الحُب هو القوة التي ستدفعهُم
نحو تحقيق كُل أحلامهم
صرخات تُقطع الصمت ودموع تسيل على وجوه مُدمرة وأنقاض منزل تحكي قصة مأساة
الصاروخ لم يُدمر منزل رانية
بل حولها من امرأة سعيدة إلى امرأة وحيدة
بعد أن فقدت زوجها وسام وأبناءها نعيم ووسام
وسط هذا الدمار تبحث عن أي أثر لهُم
لم يكُن الموت الجسدي هو النهاية بل بدء عذاب جديد
قضى الصاروخ على روحها وأطفأ شمعة أملها في الحياة
صرخة تشق صمت الليل قلب أم يصرخ
أين أولادي؟
أين زوجي الحبيب؟
كانت تبحث بين أنقاض منزلها
وقلبها ينزف حزناً على ما فقدته وكأنها تُفتش عن قطعة من روحها الضائعة
في بحر من الدمار
لم يعُد هُناك سُوى صمت قاتل يملأ المكان يشهد على فراق مؤلم لا يُنسى
فتحولت حياة رانية إلى صحراء قاحلة لا حياة فيها ولا أمل
بعد أن أرضعت ابنها نعيم أبو الورد احتضنته بحنان ووضعت ابنتها وسام أم
السوس على ذراعها الأخرى
متوازنة بينهما
بينما كان زوجها وسام مُستغرقاً في النوم
لم تكُن تعلم أن هذه اللحظة من السكينة ستكون آخر لحظة تجمعها بأسرتها
الصغيرة
كانت رانية تجلس حائرة تحضن طفليها الصغيرين في أكفانهما البيضاء
دموعها الحارة تسقط على وجوههما البريئة
تتساءل بصوت مبحوح
من سيُناديني" ماما "
كُل لحظة عاشتها معهُما تتكرر في ذهنها كصدى مؤلم
كانت تبحث عن أي بارقة أمل لتُخفف عنها حُزن فقدانهما
تتذكر لحظة تسمية نعيم "أبو الورد"
وكيف أصر والدهما وسام على أن تحمل أبنته اسمه
لكنها لم تستطع تصور الحياة بدونهما
بعد ساعات عثرت على ملابسهم الجديدة مُبعثرة في كُل مكان
كُل قطعة تحمل اسماً وكل قطعة تُذكرها بلحظة سعيدة
بلحظة ضحكة بريئة
الآن لا شيء سوى صمت مؤلم يملأ المكان
تشعر وكأنها وحيدة في عالم واسع وكأن قلبها قد تحول إلى حجر ثقيل يحمل
معهُ أوجاع الفراق
........
عماد سالم ابوالعطا