الأحد، 30 نوفمبر 2025

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن *** الأديب الراقي / عبد الفتاح حموده · ...........

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

الأديب الراقي

عبد الفتاح حموده  ·

...........


تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

.....

منذ أن توفي زوجي وقد زادت الأعباء المُلقاة على عاتقي، وقد أخذت من نضارة وجهي وقوام جسدي ما أخذته تدريجيًا، ومن يومها أصبحتُ بمثابة الأم والأب لأولادي، وقد أعلنتُ الرفض التام لكل من تقدّم للزواج مني، ولست أنا التي تتزوج بعد زوجها الذي أسعدني طوال حياتي وكان مثالًا للزوج الطيب الحريص على إسعاد زوجته والجدير بكل حب واحترام.

وقد ظننتُ أن الأعباء الثقيلة المُلقاة على عاتقي كفيلة بإخماد الجسد وإيقاف الفكر، ومواجهة الإحساس بالوحدة بعد انشغال الناس عنا بأمورهم لدرجة أنه لم يعد أي أحد يهتم بمتابعة أمورنا والسؤال عنا ولو هاتفيًا، ولهذا أحسست بأن الدنيا قد خلت تمامًا، والإحساس بالعزلة يتزايد يومًا بعد يوم، ولم أعد أحتمل الحياة بمفردي أبدًا.

ولعل هذا الإحساس مهّد لي أن أستقبل (طارق) الذي وجدته لا يختلف كثيرًا عن زوجي، وقد جذبني إليه رقة حديثه وأسلوبه الهادئ وسعة صدره للتفاهم والتوادّ، والحرص على إيضاح نواياه إذا غلبت على الطرف الآخر فهمها أو ظن بها غير القصد المنشود. ومن الغريب أن طارق هو الآخر يعاني نفس الإحساس رغم أنه متزوج، ولكن زوجته مشغولة عنه تمامًا بحضور مؤتمرات وندوات، وكلها تخص تنمية الأسرة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تتعرض لها.

وقد قررنا أنا وطارق مواجهة أمورنا مواجهة جادة عاقلة دون إلحاق أي ضرر بزوجته، وأول ما نفعله أن يعيد عليها طارق تقصيرها في حقه ويمهلها مدة معينة لتؤكد حرصها على إسعاده وتوفير سبل الراحة له وتعويضه عما فات، وأن تكون له زوجة صالحة وليست زوجة على الورق دون أدنى اهتمام، وأن تلتزم بما تقدمه في ندواتها ومؤتمراتها في هذا الأمر.

والخطوة الثانية أنه لا مفر من زواجنا على أن يخبر زوجته تدريجيًا بذلك طالما هي غير قادرة على القيام بدورها كزوجة.

ولم يفُتني أن أُعطي الفرصة لطارق ليتقرب إلى أولادي حتى يتقبلوا أمر وجوده في حياتنا فيما بعد، وكنت على ثقة تامة أنه سوف يفلح في مهمته.

هكذا رتبنا أمورنا بعقلية واعية حريصة على الحفاظ على علاقتنا، وإن كان الذي يفكر بعقله يظن أن الأمور باتت كلها بين يديه.

وظننت أنا وطارق أن الأمور قد آلت إلينا، وأنه لم يبقَ إلا بضعة خطوات تبدأ حياتنا بعدها.

وذات ليلة عدتُ أنا وطارق إلى البيت تلبيةً لدعوة أولادي، ووجدناهم قد أعدّوا وجبة عشاء وإن كانت متواضعة على قدر إمكاناتهم، إلا أنها تعني الكثير. وكنت قد أحسست أن هناك ما يدبّره أولادي وراء هذه الضيافة.

وبعد انتهاء الضيافة استأذن ابني الأكبر أسامة الانفراد بي لوقت قليل، وتابعته شقيقته ناهد ثم مجدي، وهنا زادت حيرتي وشغفي لمعرفة ماذا وراء هذا كله. وكانت المفاجأة… وبدأ أسامة يتحدث في هدوء تام:

يا ماما… نحن فكرنا كثيرًا في أمر زواجك من الأستاذ طارق، ووجدنا من الصعب علينا أن نتقبل رجلًا غريبًا مكان أبي، وقد أعددنا هذا الحفل للترحيب بالأستاذ طارق كصديق، ولكن ليس كأبّ بديل لنا…

جلست في غاية الصمت، وأذهلني الأمر كله، وطال بي الوقت في دهشتي وذهولي، ونسيت أن طارق جالس في الخارج، وخرجت مسرعة إليه فوجدته قد انصرف..!

.........

مع تحياتي /

عبد الفتاح حموده

 

الجمعة، 7 نوفمبر 2025

قصة قصيرة *** الحلم ... مازال ممكناً *** بقلم الأديب الراقي / د. علاء محمود صقر بده ( Sakr Bedda Alaa ) · ........

 قصة قصيرة

الحلم ... مازال ممكناً

بقلم الأديب الراقي

د. علاء محمود صقر بده

 Sakr Bedda Alaa ·

........

 

الحلم ... مازال ممكناً

.........

كان يكتبها دائماً غير مكتملة على حافة الورقة بخط باهت: (حلمي أن أكون...)، كأنه يخشى أن يفضح نفسه. كان بداخله طفلٌ ربيعيٌّ دائم الخضرة، ترعى في وجدانه الأحلام، لكن الجرأة كانت غائبة عنه.

وحين شبّ عن الطوق قليلًا واندفع في معمعة الحياة، لم يستطع أن يختار طريق حلمه؛ إذ كان تيارٌ جارفٌ يدفعه بعيدًا عنه، ويجذبه بقوة نحو طريقٍ آخر ينتهي به طبيبًا.

كانت الرغبة العارمة لأسرته في أن يصبح طبيبًا، والذهن الجمعي الذي يصوّر المتفوق طبيبًا لا غير، عقبتين كؤودًا وقفتا في وجه قراره.

تاه فكره متسائلًا:

-- هل أستجيب لرغبة أسرتى ومجتمعى التي لا أقوى على تجاهلها؟

 أم أسبح ضد التيار؟

المجتمع كان يتباهى بدخول كليات القمة، وعلى رأسها كلية الطب. 

مرّ في ذهنه مشهد أحد أصدقائه المتفوقين وقد ترك دراسته وقفز يسبح ضد التيار طلبًا للثراء السريع... فتساءل: أأفعل مثله؟

لكنّه لم يكن يملك شجاعة القفز ولا قوة السباحة عكس التيار.

لم يكن واثقًا من ذاته، خشي أن يخسر كل شيء؛ أن يفقد دعم أسرته، وفرصة دخول كلية الطب، فيخسر مستقبله المهني وحلمه بحياة مستقرة. والأهم... أن يفقد تلك النظرة المجتمعية التي تحيط الطبيب بهالة من الاحترام والتقدير.

استسلم للتيار، ودخل كلية الطب، فاجتذبته الدوامة؛ دوامة الدراسة والاستذكار.

 كانت دراسة شاقة جعلته يهمل ممارسة هوايته، حتى علا الصدأ على موهبته وتراكم عليها الغبار. ومع كل نجاح أكاديمي كانت طبقة غبارٍ جديدة تخفي بذرة الحلم.

أهمل موهبته طويلًا، حتى صار وجدانه أرضًا جرداء هجَرَها المطر، بلا شجرةٍ ولا ظلٍّ في مواسم الجفاف.

طُمست الرقة واللين والشاعرية، حتى نسي أنه كان يومًا طفلًا يحلم ويركض خلف الفراشات معتقدًا أن بإمكانه أن يصبح ضوءًا. لم تكن المشكلة في الحلم ذاته، بل في تلك الهوّة الصامتة بين ما هو عليه... وما يريد أن يكون.

والآن، بعد أن أنهى دراسته وأصبح طبيبًا وأرضى أهله، ونال النظرة البراقة التي يمنحها المجتمع للأطباء، بدأ ينتابه الحنين نحو كتبه الملقاة على هامش الأيام.

أسرع إليها كمن يستعيد حكاية عشق قديم، يقلب صفحاتها بنهم العطشان وقد وجد الماء.

وقع بين يديه بعض محاولاته الكتابية؛ شعر بأن حلمه أن يكون أديبًا لم يمت كلّه، وأدرك أن الهوّة بين ما يحلم به وما يضطرب في وجدانه ليست واسعة كما ظن.

شعر أن الإرادة القوية تختصر المسافات، وأن بإمكانه أن يحوّل أرضه القاحلة إلى جنة غناء مليئة بالخضرة والزهور والماء.

 وبعد شهور من القراءة الدؤوبة، وحضور الندوات، ومتابعة المنتديات الأدبية، بدأ يشعر بأن ورقة خضراء خجولة بدأت تشق صمت تربة الوجدان، وأن البذور التي غرسها واعتنى بها بدأت تنبت وتؤتي ثمارها...

بدأ الصوت الذي ظنّه قد مات يعود. كان خافتًا أول الأمر، ثم أخذ يعلو شيئًا فشيئًا؛ كانت البذور المنثورة في داخله تناديه:

"ازرعني من جديد؛ فما زال فيك فراغٌ يتّسع للحلم."

لم يكن متأكدًا إن كان قادرًا على الزرع ثانية، لكن شغفًا في داخله بدأ يتحرّك. كانت نفسه ترتجف محاولةً أن تغرس بذرة في تربة تتنازعها الإرادة والخوف.

جلس على مكتبه، يملأه الأمل، وتحدوه الثقة. كان عازمًا على أن يطرق أبواب حلمه. أخذ قلمه يعانق الأفكار ثم يزفّها إلى السطور في جو من البهجة والارتياح، وشعر بأن يده تمسك القلم كما لو أنها تستعيد نبضًا ضائعًا.

وعلى إيقاع ضربات قلبه، تراقص قلمه فوق السطور، وأخذ يسطر حكاية أديب عادت إليه نفسه التائهة، وكان أول الغيث تلك الكلمات :

.........

قصة قصيرة

الحلم ... مازال ممكناً

بقلم د. علاء محمود صقر بده

مصر – ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥

الخميس، 6 نوفمبر 2025

ققج " إِحْبَاطٌ " *** للأديب الراقي / صاحِب ساجِت .. العراق ..

 

ققج

  " إِحْبَاطٌ "

للأديب الراقي 

   صاحِب ساجِت

.. العراق ..

............



      شاعِرَةُ ٱلمَوسِــمِ نَشَرَتْ دِيوانَهَـــا، ذَاعَ صِيتُهَا، اِبْتَهَجَتْ لَهَا ٱلسَّماءُ وَ لَمَعَ

نَجْمُهَا عالِيًا.

لَمَّا عَكَفَتْ تُشَاكِسُ حَرْفًا عَلَّهَا تُرَصِّعُ

بِهِ تاجَ قَصِيدَةٍ أُخْرَىٰ.. خَابَ سَعْيُهَـــا،

وَ نَدَبَتْ حَظَّهَا:-

- ما بالُ ٱلحُرُوفِ عَجْمَاواتٍ!

...........

     (صاحِب ساجِت/العراق)

الثلاثاء، 6 مايو 2025

القصة القصيرة *** عدو غادر *** الأديبة الراقية / وفاء صابر ( بيبه بيبو ) ...... مصر ......

القصة القصيرة 

عدو غادر

الأديبة الراقية 

وفاء صابر

(  بيبه بيبو  )

......مصر ......

.......


 

عدو غادر

..........

دلال سيدة تخطّت الخمسين من عمرها، تزوّجت في بداية عقدها الثاني من محمد، موظف بإحدى شركات المقاولات الكبرى، وأنجبت منه ثلاثة أبناء: ولد وبنتان، هم بالترتيب: مؤمن، ميار، ومنى.

كانت لهم نعم الأم والأب، بسبب ظروف عمل والدهم التي كانت تتطلب السفر كثيرًا.

تخرّج أولادها جميعًا في الجامعة، وبدأت رحلة تزويج الأبناء. وفي أثناء تجهيزها لزفاف ابنتها الأولى، سقطت مغشيًا عليها، مما أثار الخوف والهلع بين من حولها. سارع مؤمن بطلب الإسعاف، التي وصلت بعد فترة قصيرة، وأوصت بضرورة نقلها إلى أقرب مستشفى. تحرّك الجميع في حالة من الفزع، متمنّين أن يكون الأمر مجرد إرهاق.

وبعد إجراء بعض الفحوصات الطبية، خرج عليهم الطبيب ليخبرهم بأن الحالة حرجة، وتحتاج إلى مزيد من الأشعة التشخيصية للبت في الأمر. ذهب مؤمن بمفرده للاستفسار عن الحالة، فصُعق بتشخيص الأطباء: سرطان في القولون.

خرج مؤمن وإخوته ينظرون إلى وجهه، والدموع محبوسة بين جفنيه، لكنه أخبرهم أن الحالة مجرد التهاب في القولون، وأنها مرهَقة وتحتاج إلى البقاء ليومين تحت الملاحظة الطبية.

دخل مؤمن إلى والدته دلال وهو يبتسم ويداعبها ويختلق النكات لإضحاكها. وفي اليوم التالي، أكدت جميع الفحوصات إصابتها بسرطان القولون.

انهارت ابنتاها، وظل الأخ ممسكًا بهما، يحتضنهما ويحثهما على التماسك. ووصل الأب في تلك اللحظة، بعد أن تلقّى اتصالًا من مؤمن يخبره بما حدث.

طلب الأب رؤيتها، وبمجرد دخوله حجرتها، انهارت دلال وهي تخبره أنها تشعر أن الأمر خطير، وترجوه أن يصارحها بحقيقة مرضها. أجابها بتماسك شديد:

حبيبتي، لو كان الأمر خطيرًا لأخبرني الأطباء، أو طلب مني الأولاد الحضور، ولكنني كنت في مأمورية عمل، وعرفت بوجودكم في المستشفى من الجيران.

أخذ يقبّل يدها ويقول:

كم مرة قلت لكِ أن تهوني على نفسك في تجهيزات عروستنا الجميلة؟ كل ما تعانينه مجرد إجهاد.

وهنا استأذن أحد الأطباء بالدخول لمتابعة الحالة، وبدأ يُمهّد لدلال سماع الخبر، لكنها فاجأته قائلة:

أعلم، سيدي، بإصابتي بالسرطان، وأنا بإذن الله جاهزة للخضوع لكورسات العلاج . ولكن، هل سيسعفني الوقت لاستكمال جهاز عروستي الأولى؟

أجابها الطبيب بابتسامة عريضة:

أجل يا سيدتي، وستجهزين عروستك الثانية أيضًا، وستختارين زوجة لابنك... لكن هل سأكون ضمن قائمة المدعوين؟

ابتسمت دلال، ووعدت الطبيب أن يكون أول المدعوين.

خرج الطبيب مندهشًا من صلابة تلك الشخصية، يدعو الله أن يشفيها.

وبدأت رحلة علاج مؤلمة، خضعت فيها لعملية جراحية، لكنها كانت تحتسب وتصبر، وتحفّز نفسها على المقاومة من أجل زهور بستانها. أصبحت دلال حديث الجميع من أطباء ومرضى، الكل يتحدث عن قوة إيمانها التي منحتها صلابة، تحطّمت عليها صخرة ألم العلاج الكيماوي. ابتسامتها لم تفارق وجهها، وكانت تساعد من حولها، وتواسي من انضم إلى قائمة المرضى، وتخفف عنهم صدمة الخبر المفزع.

وبعد فترة من الزمن، بدأت دلال تتماثل للشفاء، وواصلت علاجها من وقت لآخر، وعاودت تجهيزات زفاف ابنتها.

وها هو يوم الزفاف، ودلال تستقبل المدعوين، ومن بينهم ذاك الطبيب الذي وعدته أن يكون أول الحاضرين.

ومرت الحياة على دلال بين الشفاء وعودة المرض، حتى زوّجت جميع أولادها، ورأت أحفادها. وبعد رحلة معاناة مع ذلك المرض، الذي كان كلما عاد، هاجمها بشراسة، كانت تحاربه ببسالة، إلى أن هزمها أخيرًا... ولكن بعد أن هزمته هي مرات عديدة.

لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تحمد الله، شاكرة أن وهبها هذا البلاء لتنال الشهادة على سريرها الأبيض، وظلت تردّد الشهادة حتى صمت صوتها، وسكن جسدها إلى الأبد.

لكنها تركت خلفها قصة رائعة عن المقاومة والمقاتلة لذاك العدو الغادر

..........

وفاء صابر

 

 

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن *** الأديب الراقي / عبد الفتاح حموده · ...........

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن الأديب الراقي عبد الفتاح حموده   · ........... تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..... منذ أن توفي ز...