قراءة نقدية تحليلية.
بقلمي
فاطمة المخلف
للقصة القصيرة
صرخة مكتومة
للكاتب ياسر الصعيدي
..................
قصة قصيرة مكتملة الشروط
اجتماعية تتحدث عن إشكالية وبشكل صريح .. موضوع الاعتقال
وغالبا نتيجة التقييد الفكري
لأن الكاتب ألمح لذلك في نهاية القصة
(الأهم اني أجالس العلماء ) .
الاعتقال نتيجة الفكر أو السياسة أو اختلاف الأيدولوجية
وتقييد الحريات الذي كان سببا لكثير من الأحداث في الوطن العربي وخاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي
فالكل يشكو التقييد ومحاربة العقول والمفكرين ومخالفي الرأي نتيجة وجود حكومات وحكام……
أما اللقطة التي ركز عليها الكاتب
التعذيب في المعتقلات
وصف بعبارات مؤلمة
ووصف دقيق لما يخالج نفس المعتقل وروحه بالإضافة الى حرمانه من أسرته وحياته ومستقبله
يعاني الأمرين تحقيقا وتعذيبا وقسوة
الى أن يوصلنا في النهاية تمني الجنون واستهزاء البشر على ذاك العذاب
واقع معاش معروف لدى المجتمعات .
العنوان نكرة , جاذب للقارئ
سرد جميل
وحوار الشخصيات
الألفاظ المنتقاة بعناية
المسجون ..والطبيب
ألفاظ خدمت الغرض
ظلام .محققين معذبين
معتقل .أسرتي ابنتي
سرد سلس النقطة التنويرية .
أعيش .أتنفس .أفكر .وأجالس العلماء .
أما النهاية ارتبطت بالعنوان من خلال صرخات بأعلى صوتي لا ..لا ..لا .أعيدوني أنا مجنون ..
أبدع الكاتب فاستحق التميز
////////////////////
القصة
صرخة مكتومة
للكاتب ياسر الصعيدي
.............
لم يعد جسدي الهزيل قادرًا على تحمّل كل هذا العذاب، فقد خارت قواه ووهنت عزيمته واستسلمت إرادته أمام سطوة سياطهم، فجسدي المُرفّه بكل أنواع النعيم سابقًا، يذوق الآن كل أنواع التعذيب.
قدماي لم تستطع حملي، وبدأت الرؤية تتلاشى من أمامي، فسقطتُ على الأرض، وقبل أن أذهب فى غيبوبة، سمعت صوت أقدام لم أعهدها من قبل تمشى الهويني تقترب منّي، فقد أصبحتُ خبيرًا بأصوات أقدام كل من في المعتقل من محققين ومعذبين.
الأقدام تقترب ولا أستطيع فتح عيني لأتبين صاحب هذه الأقدام، وكم كانت فرحتي عندما تيقنت أنه الطبيب، فقد سمعته يقول لهم:
" لابد أن يذهب إلى المستشفى حالًا فحالته رثة وخطيرة "
وأمام إصراره وإبلاغهم أنه يُخلي مسئوليته لم تجد تلك الوحوش البشرية سوى الإذعان لرغبته، وقتها أغمضتُ عيني وأنا مطمئن مرتاح البال، فلأول مرة تعرف جفوني المعنى الحقيقي للنوم، غير خاشٍ الصحيان وغير مترقب العذاب، وجدتُ نفسي على سرير، نعم على سرير، ما أجمل هذا الإحساس! جدران بيضاء غير تلك الجدران الموحشة التي كانت تقتل الأمل بداخلي، وتسرق نور عيني يومًا بعد يوم.
أخيرًا سأستريح من العذاب اليومي الذي لازمني مدة طويلة لا أستطيع تحديدها، فالأيام عندي تشبه بعضها، ليلها كنهارها كلها سواء - ظلام دامس - وسأرى وجوهًا أخرى غير تلك الوجوه العابسة، سأرى عيونًا تملؤها الرحمة غير تلك العيون التي كانت تشتعل غضبًا كلما رأتني، ولكنّ صوتًا بداخلي يحثني على عدم الفرحة، فتلك مجرد هدنة ، وحتمًا ستعود إلى غيابات المعتقل.
لا يهم... نعم لا يهم....المهم الآن أفرح بتلك الهدنة ، فلأول مرة يزورني طيف ابنتي ، فمنذ أن دخلت المعتقل ( لمجرد أني انتقدتُ النظام وقمعه)، لم أفكر في ابنتي ولا أسرتي، من شدة ما لاقيته من أهوال وتعذيب، وفجأة قطع حديثي مع نفسي صوت باب الغرفة يُفتح، أرى وجوهًا مختلفة، وإن كنت أرى فيها ملامح القسوة التي عهدتها من غيرهم وسألني الطبيب:
كيف حالتك؟
ادّعيتُ المرض خوفًا من أن يعيدوني إلى المعتقل.
طمأنني الطبيب:
(ستتحسن حالتك، وماهي إلا أيام وتلتئم جروحك)
وماذا عن جروحي النفسية؟! هل ستعود كرامتي التي أُهدرت على بلاط السجن ومازالت بقاياها موجودة على سياطهم؟!
واصل حديثه وأخبرني:
أنني سأظل فترة في المستشفى حتّى يكتب تقريره، كدتُ أطير من الفرحة، لولا الصدمة التي صدمني إياها في آخر حديثه، فالمستشفى للأمراض العقلية والعصبية ( مجانين ) .
سحقًا لهؤلاء الأوغاد....! بعد أن قضوا على جسدي، أرادوا أن يقضوا على ما تبقّى من عقلي في مستشفى للمجانين، فحتى لو خرجت، من سيسمع لمجنون أو يهتم بكلامه؟!
بدأتُ أعيش واليأس رفيقي، أشعر بعيونهم تراقبني في كل مكان لم أجد سلوى ولا فرجة إلا في الساعة التي نخرج فيها إلى حديقة المستشفى، وقتها أشعر أني لست الوحيد في هذا العالم، وأنّ هناك أناسًا يعيشون معي في ذلك الكوكب .
حاولتُ على استحياء أن أتكلم مع بعضهم ولكن دون جدوى، أرى الخوف يسكن عيونهم، الصمت ثم الصمت هو السمة السائدة لدى كل المجانين، وهذا ما كان يثير فضولي، فعادة يصيب المجانين نوبات من الهيجان والصراخ، ولكن طيلة مدة بقائي لم ألاحظ شيئًا من هذا، ومع مرور الوقت ذاب الخوف وتلاشت الحواجز بيننا، وبدأنا نتقرب من بعضنا، وكانت صدمتي الكبرى...هؤلاء المجانين مثقفون وأصحاب فكر، وعلى درجة علمية عالية، فهم ليسوا بمجانين، بل عقلاء.. نعم عقلاء.
بدأتُ أشعر بإنسانيّتي، نعم.. فأنا أعيش.. أتنفس.. أرى النور.. والأهم أنّي أجالس علماء.
ولكن لم تدم فرحتي كثيرًا، فقد جاء موعد كتابة التقرير، وقتها تمنيتُ أن يكتب الطبيب أنّي مجنون؛ حتى لا أحُرم لذة الجلوس مع هؤلاء المفكرين.
ولم يتحدث معي الطبيب كثيرًا، فقد كانت كلماته قليلة جدًا:
( لقد غيرت حال المرضى، لقد تحدثوا وتجمعوا ).
وكتب في تقريره ( إن " السجين رقم ..." تأكدنا من صحة قواه العقلية، فهو سليم ولا يعاني من أي اضطرابات نفسية، ونوصي بعودته إلى السجن ) صرختُ بأعلى صوتي : لا.....لا....لا، أعيدوني إلى المجانين،
فأنا مجنون .......أنا مجنون....
//////////////////
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق