الوصول إلى جهنم .
رواية .
للكاتب الروائي قدري المصلح .
الجزء الثالث بعنوان :
العودة إلى الشمال .
..............
عدت إلى الشمال كي أخبر خالتي سالي الأمجد أنني أصبحت أستاذا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية ، وليس بائع بيض وكعك كما كان يقول جدي أن هذا مستقبلي ، ومثل أبي أدفع بعربة ، وعليها تابوت موتى أبيع عليها البيض والكعك .
كان قصر جدي كبيرا ، وكأنه مبنى جامعة يتعلم بها الطلاب ، ومن كثرة الموظفين والعاملين فيه لم أرغب بالبحث عن أي سر لجدي ، وخالتي سالي الأمجد ، ولكنني شعرت بحزن كبير على أمي كيف عملت على عربة تبيع عليها البيض والكعك حتى أوصلتني أستاذا جامعيا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية .
أمام قصر جدي طلب مني هويتي ، ولكني سمعت صوت فتاة خلفي تصرخ وهي تضحك :
بيض وكعك يا ناس كعك .
نظرت خلفي وإذا بها فتاة جميلة جدا ، ولكنها صورة في خلقها عن أمي ، تتحدث مثلها ، وتلبس مثل لباسها ، وتكاد تكون هي عندما كانت أمي صغيرة في عمرها ، وقالت :
_ أهلا بك ، أنا سحر ابنة خالتك سالي الأمجد .
هذه أول مرة أعرف أن لي ابنة خالة ، وقلت لها :
_ أشكرك .
وقالت :
_ إذا كنت سياسيا فأنا أستاذة آداب ، وأحمل درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها .
شعرت من كلماتها بشيء من الخوف ، وقلت لها بحذر :
_ أمي طلبت منّي زيارة بيت خالتي سالي الأمجد كي أخبرها بأنني أصبحت أستاذا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية ، وأنا أعرف كم عانت من أجلي ولذلك جئت كي أزور خالتي .
أمسكت بيدي وقالت لي :
أعرف كل شيء عنك ، وعلي كل حال تبدو سياسيا بارعا ، خالتك امرأة كبيرة وهي أيضا مديرة أعمال جدك الأمجد يا مجد ، ومحامية جنائية معروفة ، وتعلم الاحترام شيء جميل ، فنحن لسنا في زمن مهند بائع البيض والكعك على عربة التابوت .
والأهم أن خالتي روان الأمجد أثبتت حقا عندما حصلت على الطلاق منه أننا المهجرين حقائبنا المعنوية ممتلئة كما رأت أمي ،وجدك الأمجد .
فتح باب البيت الكبير ، ووجدت نفسي أقف أمام امرأة كبيرة ، ولكنها تبدو مثل شابة أول عمرها ، وأظن أن للغنى دور كبير بذلك ، لم أعرف ماذا أتكلم ، وبقيت واقفا بصمت ، وكانت تنظر إلي بلهفة كبيرة ، ومع شيء من كبرياء كبير على وجهها ، ولكني شعرت بيد سحر تداعب خلفي وبمعنى جامل خالتك ، وقدر حالتها .
قبلت يدها ، ومسحت دموعها عن خدها بمنديل ورقي من جيبي فسألتني عن أمي فقلت لها :
يوم تخرجي وحصولي على درجة الدكتوراه طلبت مني زيارتكِ ، وقررت الرحيل ولا أعلم إلى أين ، وكل ما قالته لي :
_ أنا امرأة في الأربعين من عمري ، وأريد أن أعيش ما تبقى لي كما أريد ، تعبت من أجلك ، وحان دوري أن أعيش ، فلا تبحث عني أبدا ، وكل ما أريده منك زيارة بيت خالتك سالي الأمجد وتخبرها بأنك أصبحت أستاذا للعلوم السياسية وليس بائع بيض وكعك على عربة كما كان جدك الأمجد يقول عن مستقبلك .
أمسكت خالتي بيدي ، وسارت بي في ممر كبير على جانبيه الكثير من الغرف ، وكانت مغلقة ، ولكني شعرت بأنني أسمع الكثير من الأصوات فقلت لخالتي :
_ لماذا قصر جدي كبير جدا هكذا .
وماذا يوجد في هذه الغرف ؟ اسمع الكثير من الأصوات تأتي منها .
فقالت :
_ أنت يا مجد جئت ساعة خروج الطلاب من مدارسهم لبيوتهم في الشمال ، ورأسك فيه الكثير من الأصوات ، وعلى كل حال في هذه الغرف أثاث تركه أناس كان لجدك حقوق مالية عندهم ، وعجزوا عن تسديدها ، وعندما تركوها لم يعودوا من أجلها ، وكما أن فيها أكفان وتوابيت وعربات كان جدك في بداية تجارته يستخدمها في عمله يبيع الأكفان والتوابيت ،
ويعمل عنده شباب على عربات في مجمعات الحافلات وأمام المدارس مثل والدك مهند بداية الأمر .
لفت نظري كل حديثها عن تجارة جدي ولكنها قالت :
يبدو لي الأمر يا مجد غريبا تلك الأيام ، لم أكن أنا وأمك من يعجبنا بائع بيض وكعك ويعمل على عربة عليها تابوت ، ولكن أمك .......
يتبع ....الجزء الرابع