الجمعة، 13 نوفمبر 2020

قصة قصيرة *** خبر غريب *** بقلم / Riadh Engazzou

قصة قصيرة

خبر غريب

بقلم

Riadh Engazzou

...........

ينطبق الصمت على الوجود فيزيده وحشة ويزيدني غربة.

يمتد صوت ويمتد ليتحوّل إلى صرخات موحشة هي الأخرى مترامية على أطراف الأصوات والكلمات.

فتعصف بي عصفا يردّ أوّلي إلى آخري.

تزداد غربتي وتتراكم الأسئلة وتصفق ما بداخلي من بقايا طمأنينة وتمخضها مخض السقاء.

 تتوقّف الصرخات للحظات على وقع دقات أجراس المسيح ودعوات المآذن للصلاة تنبعث في أرجاء المكان.

دقّات ودعوات متناغمة متآلفة تكاد تتحوّل إلى لحن خلود.ويزيّن الفضاء قمر منير في فلك دائر وفلق من نور.

ويتهيّأ لي أني أرى أطوارا من الملائكة سجودا لا يركعون وركوعا لا يستقيمون على رأسهم غريب الذي ورور بالكلام وقال كلاما بدا لي أقرب إلى الغمغمة لكن تولدت عنه دقيقة حياة لا يعرف كنهها إلا من لا يعرف الحياة من المغتربين من أمثالي.

وينادي صوته من خلال الصمت أهل الحياة للحياة.يقول غريب وزبانيته ما يريد ويصرخون مثلما يريد. يظل صراخه يتردّد بين جدران الحياة ينادي أهلها ويناجيهم ويغريهم,فيفتر أبدانهم نوم العين وسهو العقول .

يسكت غريب ويعمّ الصمت من جديد والصمت من صوته كالغربة منّي.

يتحوّل المكان إلى كليلة مبهمة لا يجلى عتمتها غير انبعاث شبح غريب من آخر نقطة في الأفق ثابتة في الأرضين السفلى قدماه مارقة من السماء العليا عنقه, فينكّس الزبانية دونه أبصارهم وتثار له دفائن العقول ويرفعون أصواتهم بالتكبير مقتحمين الصمت. ثم لا تلبث تلك الأصوات أن تتحول إلى عويل ثمّ إلى دقّ جرس تعوّد غريب على سماعه ونغمات ذكّرته بما يردّد بالكنائس عند الصلاة. يتطلّع غريب من نافذة في المكان ليتحقّق من مصدرهما.

وقعت عيناه على بناء قديم قدم السعادة التي عاشها أهل القرية.

دقّق النظر وأعاد التدقيق ثمّ استعاذ وبسمل وحمدل واستبدل بالجذل الوجل وتنكرت معالمه وأغرق المكان دمعا ,وارتفع بداخله رجع حديث

"لقد أنجذم حبل الدين وضاق المخرج...عصي الرحمان ونصر الشيطان وخذل الايمان".

كانت تلك الكلمات تقع بنفسه وقع السياط على الأجساد فتدميها وتفتح شرخا بذاكرتي.

أذكر أني كنت أعرف غريبا معرفتي بنفسي.لكن ها هو يمثل الآن غريبا عنّي.

كنّا متلازمين في حلّنا وتر حالنا مشتركين في قلقنا

وفي فرحنا وفي حزننا وحتّى في أسئلتنا المحرجة.

اخترت أن أواصل على درب الحيرة واختار هو التزهد في الدنيا والانقطاع عن أهلها.

واعتقد أهل قريتنا لبساطتهم أنه من أصحاب الكرامات فحوّلوا بيته إلى مزار وجعلوا من أقواله أدعية وجاءهم بتصديق ما بين يديه فصدقوا وأمرهم بتقوى الله في سرائر أمورهم وخفيات أعمالهم فأطاعوه وأشعّت البركات وفتحت خزائن الخيرات وتاب تائبون وأقلع مقلعون....

تقدم غريب يوما مني ربّت على كتفي ومسح بيده على رأسي ثمّ أمرني

-سلّم

-ما أنا بمسلّم

-سلّم

-ما أنا بمسلّم

-سلّم بما اصطفاك له العزيز الجليل العليم الحكيم

-ما أنا بمسلّم

يرفع غريب صوته بالتكبير من جديد فتندفع الجموع مخلّفة وراءها جلبة وغبارا حجب النور الذي أشعّ بالمكان.

وأستفيق ويستفيق أهل القرية على وقع خبر عاجل تناقلته وسائل الإعلام المحلية"

أقدم أحدهم على تفجير نفسه بالمسجد وقد تبنّى أنصار غريب العملية.

رياض انقزو

مساكن/ تونس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصة قصيرة جداً *** كينونة *** الأديب الراقي / محمد علي بلال ..... سورية ......

  قصة قصيرة جداً   كينونة الأديب الراقي محمد علي بلال  ...... سورية .....  قصة قصيرة جداً كينونة ** تمرد على اعوجاج السبل، لما سلك طر...