قصة قصيرة
( حديث مبتور )
بقلم
سالم الوكيل
..............
أبقت إلى العالم الأزرق ؛ لتلملم بقاياها المنكسرة أو لعلها تستعيد ذاكرتها المفقودة في تلك السنين العجاف التي ملأت حياتها ألما وحزنا . اختبأت وراء اسم مستعار ؛لتحتمي به لكن هذا الاسم كان مثار تلك العيون اللاهثة وراء الغريب من الأشياء ، أمست طلبات الإضافة تتدفق عليها تترى .
لقد صار الاسم هدفا قريبا من سهام المتطفلين الطائشة .
حائرة هي ما بين مد وجزر ، تائهة مابين قبول ورفض خشية أن ينكسر قلبها مرات أخر .
أخذت تمحص تلك الحسابات وتفتش في أروقتها عن هوية أصحابها خوفا من الوقوع فريسة لأهوائهم الدنيئة ،
وذات ليلة يقع بصرها على هذا الطلب المرسل إليها ، تتدافع أنفاسها وتركض نبضات قلبها كي تلمس أزرار الهاتف لتضغط على الموافقة ، لم تكن تعرف سببا لذلك ، قلما توافق على مثل هذه الإضافات ، لكن شيئا آخر يحثها على الموافقة ، أهو اسمه أم هيئته أم حضوره الذي يفرضه على من يراه لأول وهلة أم صفحته المتخمة ثقافة ورقيا .
لقد شعرت بأنها تعرفه منذ ردح من الزمن ، لكأنما التقيا من قبل .. تجاذبا أطراف الحديث ، هو يريد أن يخرجها من سجن اسمها القابعة فيه . تلامس كلماته شغاف قلبها اليتيم الفارغ من الحب ، يهتم لأمرها وشخصيتها الغامضة ، يحاول أن يرسم صورتها من خلال كلماتها المقتضبة ، إنها تلك الفتاة الخجول كسيرة الجناح التي تتوارى عن الأنظار ..هناك شيء ما وراءها ، تساؤلات كثيرة تتردد على خاطره . يبادرها قائلا : من أنت ؟! ، فتجيبه :
انا تلك التي اسمها فوق صفحتي . أخذت تراوغه روغان المطارَد من صائده ..تريد أن تهرب من كشف هويتها ، ومع إصراره العنيد تقص عليه شيئا قليلا من حكاياتها المخبوءة في قلبها الطريد الحزين ..وفي قرارة نفسها لقد تعلقت به غير أنها تخاف ألا يكون من حظها ، إنه حالة استثنائية غير هؤلاء الرجال الذين يتهافتون على مراسلتها ، لكنها لا تعيرهم اهتماما ولا تأبه لحالهم ولا تهتز مشاعرها لوقوفهم على أعتاب عالمها الأزرق ينتظرون ..
إن حديثه العذب أسر قلبها وكلماته الرقراقة الرنانة ملكت عليها روحها ، وهيئته الوقورة لا تغادر ناظريها ، لكنهاتخاف من المجهول الذي يناصبها العداء .
مر الحديث بينهما مرور السحاب وفي القلب بقية من كلام ..
وفي اليوم التالي يسأل عنها، يرسل إليها تحية الصباح لكنها لم تفتح متصفحها بعد ...
يقول في نفسه لعلها نائمة ، تمر الساعات ثقيلة على قلبه الذي تعلق بها دون أن يراها، لقد ارتبط قلبه بكلماتها الجريحة عن حياتها ، انشغل باله كثيرا بتلك الفتاة المجهولة ضحية الحياة القاسية ، تمنى أن يعيدها إلى نفسها المشتتة وأن يرجع لها ثقتها في نفسها ومن حولها . يالها من أمنيات راودت عقله وقلبه ! .
وبينما هو غارق في تلك الأماني ، يستفيق على ردها له بأنها مشغولة . هكذا كانت رسالتها له ، فظن إلى أن هناك أمرا ما ، بادرها قائلا : كوني على راحتك نتواصل بعد انتهائك ، لكنها لم تجبه ! .. ارتسمت أمارات الدهشة على وجهه ، امتلأ رأسه بالظنون .
حين دخل المساء وأطبق الليل بسكونه ، أرسل إليها تحية المساء ، فبادرته بمساء الخير ، باغتها بقوله : لم تهربين ؟! ..
أجابته أنها نادرا ما تتكلم مع أحد من الرجال على الخاص ، استغرب من تلك الإجابة المفاجئة له ، فأردف قائلا لها :
ولم تقبلين صداقاتهم إذن ؟!..
قالت : لأستفيد من منشوراتهم ، دوت ضحكاته جنبات المكان حين قالت له :
ستبقى أفضل أخ لي مر بحياتي ..
وعندها أغلق الحديث معها ولم يجبها.
.........................