السبت، 29 أبريل 2023

القصة القصيرة *** حالة خاصة *** للأديب الراقي / Abdelkrim EL Hamrani .............

القصة القصيرة

حالة خاصة

للأديب الراقي 

Abdelkrim EL Hamrani

.............


 

حالة خاصة

كعادته ،على الرصيف أمام دكانه، كان - ابو المعطي-   يضع إناء الوضوء عن يمينه بعد أن يخلع جلبابه و يعدل سرواله - القندريسي - و يستوى  في جلسته  ،قبل آذان الظهر و آذان العصر، الوقت الذي يتزامن مع مرور- محجوبة- أرملة ميكانيكي الحي و أخت صديقه السي حسن الكهربائي، من و إلى المدرسة الابتدائية المحادية للمسجد رفقة صغيريها .

لا يبدأ الوضوء حتى تقترب منه ليشرع في سرد نفس الدعاء -اللهم اهدنا واهد جيراننا و أحبتنا-...-.اللهم ألف بين قلوبنا- يده في الإناء وعينيه تراقب خطواتها حتى تختفي .يبقى متسمرا في مكانه منتظرا عودتها بعد أن تترك طفليها في مدرستهم .

يقوم يرش ما تبقي من الماء أمام الدكان ليسمعها أدعية الإياب - اللهم افتح بصيرتنا واهدنا لما فيه صلاحنا -  يعيد الإناء إلى البيت وهو يقول -اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين - بصوت مرتفع كي تسمعه - امي طامو- زوجته المسكينة فترد عليه :- اللهم آآآمين... لقد نسيت أن تأخذ سبحتك....

وكم  مرة نسي غسل رجليه أو مسح رأسه أو ترك قبقابه و رجع حافي القدمين، من الإرتباك.

وإذا أدركه وقت مرورها  يخرج دون استنجاء.

المهم أنه يحرس بشدة على تطبيق السيناريو اليومي ما عدا يوم الأحد... وبما أن وضعية مسح الرأس  هي الأنسب لإشباع نهم عينيه ،..

واللحظة التي تتساوى فيها دقات قلبه مع وقع أقدامها  والتمعن في إطار جسدها الجذاب المرسوم بدقة  (عفوا ، أنا لا أحبذ وصف محاسن المرأة )،،

فكم مرة كان  يستمر في مسح رأسه ستة أو سبع مرات ليسمع .- لمحجوبة - (كان يدعوها  في نفسه :محبوبة) الدعاء الروتيني.....ويسترق أي تفاعل ممكن لها مع دعائه. كما كان يتوهم أنها تبتسم.. يعني علامات الرضى .فيبتهج لذلك ويحس بسعادة طول النهار- يضحك مع المارة.. يتصدق بسخاء.. ويقدم الحلوى للأطفال وخاصة أبناءها..

أما حين تقصد دكانه لتبتاع شيئا فتصرفاته تختلف تماما. تغيب الأدعية و التحرش المعتاد والغير المباشر.. يرتبك ..يرتعش ويسقط ما بيديه ولا يقول إلا كلاما معقولا، يسأل عن طفليها ويحثها على المحافظة على راحتهم وتعليمهم بكونها المسؤول الأول والمباشر.

كما يعرض عليها مساعدته المادية  إذا اقتضى الحال وفي الأخير يودعها بالدعاء للمرحوم وأنه لم يحتمل فراقه و أنه كان يعتبره من أعز أصدقائه.. إنا لله وإنا إليه راجعون...

ولما تنصرف يندم على عدم جرأته وتضييعه لفرصة ثمينة يمكن أن لا تتكرر . ويتذكر أيام احتضار الزوج في بيته لما كان يزوره منفردا فيجدها تبكي بجانبه، فيتبعها بنظراته الفتاكة حين تقوم لتهيء الشاي على شرفه بثيابها المنزلية فيتمنى للمريض الموت العاجل من قلبه.                                                                                                   في المسجد كان ل - أبي المعطي - مكان مخصص أيضا، يؤدي تحية المسجد بجانب صديقه و أخ معشوقته - السي حسن - الكهربائي. و يردد نفس الدعاء  من باب الاحتياط.. ثم يصافحه وهو يهمهم -اللهم اجمعنا بمن نحب في الدنيا و في الآخرة-

ذات يوم سألت محجوبة أخاها عن سبب تكرار نفس الأدعية من طرف ابا المعطي أثناء وضوئه ؟

وهل هذه الأدعية خاصة بالوضوء؟ فأجابها :

مسكين!!! أنت تعرفين ورع الرجل فهو لا يدع فريضة تمر.. أما عن هذا الدعاء  فهو يكرره دائما في المسجد وعلى مسمعي.. أعوذ بالله من الشك.. أعوذ بالله...........

يوم الأحد كان يمر ببطء قاتل بالنسبة له. يتوضأ داخل بيته ولا يفتح من بعد صلاة الظهر ، حتى  صباح الاثنين . كل هذه التصرفات كنا نلاحظها من مجلسنا في المقهى المقابلة. كنت كلما مررت أمامه سلمت باحترام مصطنع ودعوت له - الله يبلغ المقصود ابا المعطي - فتنشرح سرائره ويعزمنى على الشاي وانواع المكسرات الموجودة في الدكان. لكن حين تكرر مني نفس الدعاء تغيرت ملامحه عند مروري وأصبح أكثر احتياطا....

لم تقتنع محجوبة برد أخيها لأنها كانت تحس بتصرفات العاشق الولهان فقررت أن تتأكد بنفسها...

وقفت  بهيأة مغايرة شيئا ما.. ثياب جميلة ..عطر جذاب و..و..و...نظرت في عيني ابا المعطي مبتسمة ثم قالت في هدوء :- المعطي ديالي.. لقد هداني الله واستجاب لدعواتك وسيألف بين قلوبنا إن شاء الله.....وقف متسمرا لا يتكلم من الصدمة ...أخرج عينيه و لسانه.. شهق شهقة واحدة ثم لبى داعي ربه........

وبقي الإناء فوق الرصيف ....

 إنا لله وإنا إليه راجعون...

(أستغفر الله العظيم ) ..  

............

ع . الحمراني .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصة قصيرة جداً *** كينونة *** الأديب الراقي / محمد علي بلال ..... سورية ......

  قصة قصيرة جداً   كينونة الأديب الراقي محمد علي بلال  ...... سورية .....  قصة قصيرة جداً كينونة ** تمرد على اعوجاج السبل، لما سلك طر...