رذاذ مطر ناعم
الأديب الراقي
عبد القادر الغريبل
...........
تتمة
رذاذ مطر ناعم
ملصقات إعلانات، أرض مرصوفة واجهات متاجر إشارات
ضوئية علامات تشوير، تمشي أو لا تمشي، تنام أو لا تنام، تشتري....... أو لا تشتري ،
تأكل أو لا تأكل، تجلس، تتمدد، تظل واقفا تنزلق داخل نفق معتم ،تدخن لفافة تبغ وتعبر
زقاق كله ،تعود للانطلاق من جديد، تتعمد للامبالاة
وعدم اكتراث لشيء ما، دون بداية ولا نهاية .
إنها حالة جمود عطائها قد لا يكون في وسع أي
شيء زعزعتها، تفقد شهيتك في الكلام، الضحك، في اظهار ردات فعل أولية ،لا تعرف عندما
تكون إشارة ممر المرورالحمراء، ترتدي أكثر في صباحات الشتاء الباردة، تغير قميصك الرياضي
جواربك سروالك ثيابك الداخلية مرة في كل أسبوع
.
اللامبالاة تفكك اللغة، تشوش الإشارات، أنت صبور
ولا تتحمل، أنت حر ولا تختار، أنت محاط بحشود و وحيد ،تسمع دون تصغي أبدا، ترى دون
أن تنظر أبدا ،قد تود أن تصير إلى ما كنت عليه من قبل لكن ربما من تأثر معنوياتك في الكبر، تقاوم أعصابك بأسرع ما ينبغي رغما عنك،
تجبرك قدمك على المشي، تشابك أصابعك ولا تنفك عن التحديق في كل اتجاهات بلا توقف .
تمشي
على أسفلت الطريق، تدور في حلقة دائرية، تحدد لنفسك أحيانا أهدافا جد مضحكة، تدخل مكتبة
تقلب صفحات كتب دون أن تقرأها، تلج متحف تقف أمام كل لوحة مائلا برأسك، طارقا بعينيك
متراجعا بضع خطوات للوراء لتدقق فيها بشكل أفضل، لدى خروجك تترك في سجل الزوار توقيعا مبهما غير مقروء مع عنوان مغلوط ،تقرأ صحيفة
سطرا سطرا دون تفويت شيء، تتلو خبر تلو خبر تدقق نظرك في كل صورة بتمعن جيد لكن ذاكرتك
راعت أن لا تحفظ أي خبر، المهم تمضية بعض الوقت والتسلية، لا تمسك أي شيء، عيناك تقرأ سطور بترو وتأمل واحدا بعد الآخر، مواجهة العالم باللامبالاة
وعدم الاكتراث مجرد أنك متجاهلا ولا معاديا ،ليست غايتك استعادة فرح سلبي للأمية بل
بالقراءة، عدم إعطاء أي امتياز لقراءتك، ليست غايتك أنت تكون عاريا كدودة بل مجردا من بعض ثيابك ،ليست غايتك أن تحشر أنفك في
أمور تستدعي هذا بالضرورة البحث أو الإهمال، ليست غايتك أن تموت جوعا بل مجرد تناول
بعض المأكولات ، أنها أفعال ،حركات لكنها ليست
براهين ليست عملة قابلة لمقايضة أو مبادلة ، غذاؤك ملء المعدة ليس له تحدي بعد اليوم بدلا عنك لم تعهد إليها بالمهمة
تمثيلك تبتلع مرة أو مرتين يوميا كسرة خبز شرائح بطاطا مقلية بالزيت المغلى وبعض قطع
السمك حبات الزيتون مخلل لكن معدتك لم تعد تميز عصيبات متشعبة ،ألياف مفتولة، يعصيك
النوم تضع كتابك جانبا، تحملق بعناد في سقف غرفتك، كل شيء مبهم غامض لا شفافية فيه
، كل نهار قوامه صمت رهيب بأعماق ذاتك وضجيج مدوي بعيدا عن عالمك ،ضياء بجنبات داخلك
وسواد قاتم خارج محيطك
ارتعاش
طفيف يسري في جسدك، تستسلم للغرق تغدو طوعا
للتلاشي، مطية للفراغ والهرب منه في نهاية المطاف ، التوقف أمام نافذتك الجلوس على
أريكة بغرفتك، اغتسالك حلاقة ذقنك ارتداء ملابسك واعتمار قبعتك ،مغادرة بيتك قصد التنزه،
العتمة مثل الضياء، إلغاء كل شيء، لا وجود إلا لوقع خطواتك ونظراتك التي تحط وتنزلق
غائبة عن الجميل القبيح ،المألوف المذهل، المظلم
الوهاج دون أن تلتفت أبدا إلى شيء، أو تأبه بأمر سوى تمرير أشكال ،أضواء ،إلتماعات
تتشكل وتتلاشى دون توقف في كل مكان، تجول ببصرك بحدائق ،نافورات ،ساحات ميادين، أشجار،
أسيجة ،رجال، نساء ،أطفال ،كلاب ،قطط، فورات لغط، نوبات ضجيج، شوارع مرصوفة تلمع حجارتها
تحت رذاذ مطر ناعم.