الشعر فخاخ
بقلم الكاتب
Abdraouf Rawafi
الشعر فخاخ
تتمرد الكلمات عن دلالتها التي لها في اللسان و القواميس لتعانق- في الشعر-
بعض المعاني السائبة التي لا تعترف بالتعاقد
و لا تمتثل للمواضعة و إنما تستبيحهما
بما تولده في أذهاننا لحظة التلقي من روابط و علاقات بين الصور و المتمثلات التي إما
أن تكون مخزنة في ذاكرتنا أو ينتجها السياق التخييلي لحظة الالتذاذ بالصورة.
غير أن المحاكاة الشعرية تبدو أكثر إثارة للمتعة و أكبر قدرة على الإعجاب
من الأصل الذي تحاكيه
إذ للشاعر من أدوات التخيل و الجواز و طرائق الوصف و أساليب
التصوير ما به يوقع المتلقي في فخاخ الأقاويل الشعرية متى أوهمه بصدقها لا في واقعيتها
بل في ممكنات حدوثها بتحويلها من حدث واقعي إلى حدث شعري ممكن. فيستدرج الشاعر متلقيه
نحو التسليم بها و الاستعداد للدفاع عنها إذا كانت قيما في الحكمة و الاقتداء به إذا
كان ممدوحا و تمني حيازتها إذا كانت معشوقة و فداء الذات في سبيل خلوده إذا كان مرثيا
و الإعلاء من خصاله أو الذوبان فيه إذا كان فخرا...
فلحظة الإيقاع بالمتلقي و التأثير فيه و استدراجه إلى الفخ التخيّلي و
ترويضه مجازا و صرف اهتمامه عما للكلمة في القاموس من معنى هو أشبه - في نظر النقد
القديم- بأعمال الحيلة في إلقاء الكلام من النفوس بموضع القبول بمعناه الذي صاغه الشاعر
صياغة تنافر المألوف و تعانق العجيب فيأتي المألوف من المعاني في العجيب من الصور.
فلا تكتسب الكلمة معناها مما تعارف عليه الناس و تواضعوا عليه في الواقع بل مما ألبسها
الشاعر من لبوس التحسين و التجميل حتى لكأن الكلمة في الشعر كالحسناء في الخدر .
و لنا في الشعر العربي القديم أمثلة لا تحصى و لا تعد
نكتفي باستدعاء
نموذجين إثنين أولهما..
شعر الحماسة..
الذي أقامه أصحابه على تجميل الحرب و تحسين الخراب
و تزيين الدمار و تلذذ الأنين و الانتشاء بالدماء و الموت...و ثانيهما
شعر الطبيعة
..
خصوصا عند الأندلسيين الذين أقاموه على تجميل النار و التغزل بلهيبها و التلذذ بحرّها
و تزيين لهيبها و الانتشاء بألوانها...
..............
بقلم
عبد الرؤوف أبو معاذ روافي. تالة. الجمهورية التونسية