الـفـقـراء لـيـس لـهـم عـيـد
قصة قصيرة
الشاعرة هناء الطيبه
........
<< الـفـقـراء لـيـس لـهـم عـيـد >>
{{ قصة قصيرة }}
في قريةٍ بعيدةٍ منسية كانت تعيش أسرة عفيفة ...
تـفتقر لأقل شيء من مستلزمات الحياة البسيطة ؟؟
وكان رب الأسرة يعمل في مكانٍ
مجاورا للبيت ،،، ومرض مرضاً عضالاً وبقي ملازماً للفراش وراقداً
على سرير المرض لعدة أشهر ... وبقدرة الله شُفي من المرض
وتحسّنت حالته الصحيّة ولكن مع الأسف حالة أسرته المادية إزدادت
سوءً ...
وكان هذا الرجل لا يتوانى أبداً عن البحث عن فرصة عمل
ولكن بلا جدوى ؟! وكلّما ينظر إلى حالة أسرته السيئة تتقطع أوصال قلبه
من شدة الحزن عليهم ...
فهي لا تجد رغيفاً يسد جوعها ولا لِباساً
يستر جسدها ولا فراشاً يردّ عنهم برد الشتاء القارص ... وأن الأسرة
تعيش تحت خط الفقر ... ويعضّون الأرض من شدّة الجوع ...
وأنياب ومخالب الفقر تعض أجسادهم النخرة الضعيفة ؟؟؟
وقرر هذا الرجل أن يذهب إلى المدينه علّ وعسى
أن يعطف الزمان عليه وتعود البسمة إلى شفاه أطفالهِ الأبرياء ؟؟؟
ورحل الليل وحلّ النهار وبدأت الشمس بالشروق على أطراف القرية
المنسيّة ...
لبس الرجل ملابساً مهترئةً باليةً أكل عليها الدهر وشرب
وكادت أن تفقد لونها الأصلي من شدّة قِدمها وبعد أن إنتهى من
تحضير حاجات وأغراض السفر وضعها في حقيبةٍ
صغيرة إستلفها من عند الجيران ...
جلس قليلاً وأخرج من جيبه ولاعةً وعلبة دخان ... وأشعل سيجارةً
وبدأ ينفث منها وبين الشهيق والزفير تحركت قدماه نحو باب المنزل
وقف طويلاً لأخذ آخر نظرات الوداع قبل الرحيل ...
وعندما وقع نظره على أبنائه الصغار وبدأ يرى بريقاً يدعو إلى الشفقة
والرحمة يشعّ من عيونهم البريئة خطفت الإحساس من داخل قلبه
وقطعت أوصاله وهزمت جوارحه ...
وقال في سريرتهِ أن المال هو شريان الحياة الذي يُغذي كافة البشر
وقبّل أطفاله وودّعهم وعانقت راحة يده أنامل أطفاله الصغيرة التي
كانت تحمل بعضاً من الخوف يمتزج بشيء من الشفقة ... وقرّر أن لا يعود إليهم إلاّ ومعه كماً هائلاً من النقود ... ومشى بخطواتٍ سريعة
تتسابق مع دقات قلبه الذي بدأ يدقّ بسرعةٍ قصوى ... ويُغذي إيمانه
أملاً بالخالق الذي لا ينسى عباده الصابرين ...
وصعد درج الحافلة ...
ورمى جسده على أقرب كرسيّ من شدّة التعب وبدأ يلتقط أنفاسه...
وغفت عيناه لبرهةٍ قصيرة آخذاً قسطاً من الراحة ... وبدأت عيناه
بالنعاس وبدأ يغوص في عالم الأحلام ... وعندما إنتهت الرحلة فتح
جفونه عندما أيقظه أحد الركاب ... وعندما وصل إلى المدينة بدأ ينظر
إلى عيون الناس وتختبئ وراء كل شخصٍ منهم حكايةً ورأى زحام
البشر والتطوّر العُمراني الذي حلّ على المدينة ...
وحدّقت عيناه على المُشاة الذين ينتشرون على جوانب الأرصفة ...
والأشجار الموجودة على جوانب الطُرقات ؟؟؟
وكأن هذا أمراً غريباً عجيباً لا مُحالة بالنسبة له ؟؟؟
وعندما إستقرّ في سكنهِ الجديد كان يصحو مُبكراً ويعمل ولا يتوقف
عن العمل والجَدّ والتعب ... لكي يوفر لأسرته حياةً كريمةً تخلو من
الفقر والذلّ بعض الشيء ... ومرّت الساعات والأوقات ومضى على
سفره أكثر من عامٍ ونيّف العام وقرر أن يعود إلى أسرته قبل أن يأتي
العيد ...
وبعد أن رحلت قافلة رمضان وبكلّ ما تحمل من طقوس
وقناديل وفوانيس العيد السعيد ... عاد إلى أسرتهِ وكان يحمل مبلغاً
قليلاً من المال الذي جمعه لمدةٍ تزيد عن العام ...
وكان الناس يطالبون أسرته
ببعض الديون التي تراكمت عليهم في فترةِ غيابه وسفره ؟؟؟
وكأن تعبه وشقاءه ذهب هباء في الهواء تتلاقفه الأيادي وتذروه
الرياح ...
وبدأت آماله وأحلامه تنهزم وتتحطّم وتنكسر فوق صخور اليأس ...
وكأنه كان يدور في دائرةٍ مغلقة وعندما خرج منها لقي أبواباً كثيرةً
ومقفلةً ...
وجاء العيد بكلّ ما يحمل من فرحٍ وبهجةٍ وسرور ترتسم
في عيون أطفال القرية ...
وكان كلّ طفل منهم يرتدي ثوباً جديداً ويحمل في يدهِ دُميةً صغيرةً وفي يدهِ الأخرى كان يحمل النقود ...
وأمّا أطفاله المساكين حالت بينهم وبين فرحة العيد وحُلّة المُزدانة
بالسعادةِ
والسرور ظروفاً قاسيةً وفقراً مريراً يُلازم أجسادهم الصغيرة على مرّ
السنين ... وعندما ذهب الأطفال إلى الخارج ووقفوا على عتبةِ بيتهم
التي تُبدي ملامح فُقرهم وتُظهر عُيوب بؤسهم تَقدّم بعض أطفال الجيران
نحوهم وهم يلعبون أمام العَتبة التي تختبئ وراءها أسرارُ وأسرار ؟؟؟
وقالوا لهم : نحن إشترينا ملابس جديدة وألعاب كثيرة ...
أنتم لا تشترون مثلنا ملابس وألعاب ولا يوجد معكم نقود مثلنا .
فقال لهم الأطفال المساكين : لماذا نحن لسنا مثلكم ؟؟؟
ألسنا بشر مثلكم ؟؟؟
فقالوا لهم أولاد الجيران : أنتم لستم مثلنا ؟؟؟
لأن الفقراء ليس لهم عيد ؟؟؟
بقلم سفيرة الشعر العربي في الأردن
د. السفيرة { هناء عبدالله الطيبه }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق