قصةٌ قصيرةٌ..
"الأَمـِــيرَةُ وَ المُشــاغِبُ!"
الأديب الراقي
صاحب ساجت
Sahib Sachit
............
"الأَمـِــيرَةُ وَ المُشــاغِبُ!"
في زمنٍ مَضىٰ.. كانتْ أميرةٌ صغيرةٌ، تأتي إلـىٰ نَهــــــرٍ جارٍ قربَ قريةٍ. وَ الحقيقةُ.. أنَّ حُوذيًّا يأتي بها
وَ يَزُجُّها وسطَ صبيةٍ يتوزعونَ بينَ النَّهرِ
وَ أفياءِ الأشجـارِ؛ يَسبحونَ، يَلعبونَ، يَصطادونَ سمكًا أو يَتفرجونَ.. بَينما أحدُ الأكواخِ، في أَقصىٰ القريةِ يَحتضِنُ الحُوذيَّ، مدةَ بقاءِ الأميرةِ معَ الصِّبيةِ.
هُناكَ.. يَقضي وَقتًا ممتعًا معَ اِمراةٍ متوسطةَ العُمرِ، دَعتهُ ذاتَ مَرَّةٍ، لِوجبةِ طعامٍ وَ كُوبِ شايٍ. القريةُ تعرفُ ذٰلكَ، وَ لا تُعقّبُ!
لأنّهُ منْ أزلامِ المَلكةِ!
يَنالُ ما يرغبُ، في أيِّ وقتٍ يشاءُ.. هٰذهِ الأمـــيرةُ ناهزتِ العاشرةَ، وَ هي آخرُ العنقودِ، لـٰـكنَّ القَدرُ شاءَ أنْ تُصْبِحَ العنقودَ بِاَكملِهِ، بلا مُنازعٍ!
صَغيرةُ البُنيَةِ، قَليلةُ الحَيويةِ، تَتسِمُ بالخمُولِ، وَ تتوغلُ برفقٍ في أحداثٍ ماضيةٍ.. وَ ما أَبشعُها!
أحداثٌ ُقتِلَ فيها أَبُوها وَ إخوانُها الثَّلاثةُ، بِدَمويَّةٍ قَلَّ نظيرُهـا!
في حرُوبٍ معَ طامعينَ، وَ مِنْ ثَمَّ آلَ العَرشُ إلـىٰ أُمِّهـــــا. أُمٌّ باتتْ تَحرصُ بِدقَةٍ عَلَـىٰ تربيةِ وَ رعايةِ (وليَّةِ العَهدِ) بحيث عَمَدتْ أَنْ تَترعرعَ علـىٰ طَبعٍ خَشنٍ، ترويضِ نفسٍ علـىٰ صَبرٍ وَ طولِ أناةٍ!
صِبْيَةُ القريةِ... بنينٌ وَ بناتٌ، تتفاوتُ أعمارُهُم، مِنهُـــم:- صغيرٌ دونَ الخامسةِ، وَ منهُم مَنْ شَبَّ وَ بَرزَ عُودُهُ بينَ أقرانهِ، بَيْدَ أَنّ أجسادَهُم لا تُوحي بأعمارِهِم، بَلْ تَبدو أقلَّ.. أجسادٌ عجيبةٌ بحيويتِها وَ حركاتِها البَهلوانيةِ، سَواءٌ في السباحَةِ أو المطارداتِ بينَ الأشجارِ. لكُلِّ مجموعةٍ مِنها.. زعيمٌ منافحٌ عنْ حقُوقِها، إذا شاءَتِ المصادفاتِ أو المقاصدِ.. تجاوزَ أفرادُ مجموعةٍ علـىٰ أُخرىٰ!
أجسادٌ قويةٌ عركتْها حياةُ الريفِ، لمْ تزلْ غضَّةً، يفوحُ منها عِطرُ الزَّهو وَ التفاخرِ. جُلُّها مَيَّالةٌ إلـىٰ الرِّفقةِ وَ التَّودُّدِ فيما بينها.
بِدءًا.. تَجشَّمتِ الأَميرَةُ عَناءَ الإندماجِ معَ هٰكذا خليطٍ متجانسٍ، حاولتْ بِفطرتِها المَدنيةِ، أنْ تستحوذَ علـىٰ وِدِّ صَداقةِ أحدِهِم أَو إِحداهُنَّ. تَعرَّفوا عليها عنْ كثبٍ بالتحــيَّةِ أو السؤالِ، في أثناءِ تَحلُّقهُم حَولَها.
هٰذهِ تُداعبُ شعرَها الذَّهبي، وَ ذاكَ يَرمي نظراتَهُ الفاحصةَ عَلـىٰ عَينيها الزَّرقاوينِ.. وَ تلــــكَ تُقارنُ ثوبَها المُكَشْكشَ، مَعَ ثوبِها البَالي ...
يا لِظَرافةِ الصِّبيَةِ وَ هُم (يَتكَأْكؤُنَ عَليها كِتِكاكِئِهم عَلـىٰ ذي جِنَّةٍ)!سرعانَ ما تَبتسمُ لَهم، تُلاطِفُهُم، وَ تَرمي قُبَّعةَ رأسِها بَينهُم فَيَتقاذفُونَها بَعيدًا، لِتقولَ لَها بعضُهُنَّ:
ــ سَتشوي رأسَكِ الشَّمسُ!
لماذا رميتيها عليهِم؟
أَنَّهُـــــــم أبالسةٌ بِزيِّ صِبيَةِ بَشرٍ!
انظري.. انظري!
ذٰلكَ المُشاكِسُ.. مُشاغبٌ بَيننا!
احذَري مِنهُ، إنَّه مهووسٌ بالزعامةِ وَ لا يألُو جُهدًا في السيطرةِ علـىٰ مجموعتهِ أو علينا جميعًا، لكنَّهُ يمتلكُ شيئًا منَ الرَّأفةِ مَعنا.. نحنُ البناتَ، وَ هٰذا لا يُنكــرُ!
ــ ما اسمهُ؟
ــ حازم ...
ــ آه.. اسمٌ لطيفٌ..
حازم.. يا حازم.. هاتَ قُبَّعتي!
الشمسُ نزلتْ علـىٰ رأسي!
تقرَّبَ منها.. مَدَّتْ يَدَها لِتأخُذَ القبعةَ، بَيْدَ أنَّهُ بحركةٍ سريعةٍ ثَبَّتَها بنفسهِ أمامَ اِنبهارِ أقرانِهِ وَ دَهشتِهِم.
ــ هٰذهِ أميرةٌ.. بنتُ الملكةِ، تُريدُ أنْ تلعبَ وَ تَقضي وَقتًا معكُم. عاملُوها كَإختٍ لَكُم ...
هٰكذا عرَّفَ الحُوذيُّ الأميرةَ للصبيَةِ، في أولِ زيارةٍ.
تكرَّرتِ الزياراتُ وَ حدثتْ مواقفُ عَفويةٌ وَ بسيطةٌ.
ذاتَ مَرَّةٍ أصرَّتْ أنْ تَسبحَ معَ البناتِ في ماءِ الشاطيءِ الضِّحــضاحِ.
لَوَّنَ الخوفُ وَجهَها، تسارعتْ دقَّاتُ قلبِها، وَ كُرَتَا عَينيهـا الجَّاحظتينِ كادَتْ أنْ تَطفرَا من محاجرِها، اِختنقَتْ بالماءِ الداخلِ في جوفِها وَ رئتيها!
تَعالتِ الأصواتُ وَ تَراكضَ الصبيَةُ إلـىٰ مَكانِ الجَّلبَةِ.. وَ طبعًا حازمُ في مقدمتِهم. قفزَ إلـىٰ الأمـــــيرةِ وَ رفعَها بينَ يديهِ، وَ هي تَتلوَّىٰ وَ تسعلُ كثيرًا..
بعدَ دقائقٍ.. وَقفَتِ الأميرةُ وسطَ حلقةٍ من أجسادِ عُراةٍ صَغيرةٍ!
اِنسحبتِ البناتُ، مُطَأطأةً رُؤوسهُنَّ خَجلًا منْ هٰذا المَشهدِ.
ــ شكرًا..أنقذتُم حَياتي وَ حياةَ أسرتي.
كيفَ سمحتُم لها أنْ تَدخُلَ
وَ هي لا تعرفُ شيئًا عَنِ السِّباحةِ؟
ماذا سأقولُ لِلملكةِ لو حصلَ
مَكروهٌ؟
تَكلَّمَ الحُوذيُّ بعنفٍ معَ الصبيَةِ عنْ جُرمٍ لمْ يَقترفْهُ أحدٌ مِنهُم. بعدَها قادَ عربتَهُ مُتجهًا للمدينةِ وَ الأَميرةُ تودِّعُهُم بابتِسامةِ بَقايا خَوفٍ..
عَبثًا تَبحثُ عنْ حازم المُشاغبِ، بينما حازمُ مُنكسِرَ الخاطرِ، يَلوذُ بالصمتِ وَ يستَشعِرُ فحُولَتَهُ المُبكِّرَةَ...
(صاحب ساجت/العراق)