القصة القصيرة
رجل له ماض ٍ
للأديبة الراقية
عفاف علي
..........
رجل له ماض
أنا مجرد ظل لشبح الماضي، يفتح ذكرياته ليقتنص الحاضر، أجلس بجوارها ولا أفهمها، لاذت بالصمت والهدوء، كأنني قطعة أثاث قديمة.
ركضت نحونا وفي يدها كوب من الحليب، جلست تداعب يدها وتسألها: أين خاتم الخطبة؟
ابتسمتُ لتطمئن قليلًا، و كعادتها أخذت تلح وتكرر السؤال.
بداخلي نار ملتهبة، كيف أخبرها بما يحدث هنا؟.
كعادتي معهم؛ لجأتُ للصمت القاتل، ذلك الذي يؤدي للجنون.
قالت: أمي، ثم أغلقت تلك الفوهة التي تعلو ذقنها؛ لكي لا يخرج منها البركان الثائر.
تردد في نفسها بهمس: نزعته وأعطيته لصاحبه، أرفض الارتباط لكونه ارتباط، وددت لو أفكر مثلك بعقل.
تطلعت نحوها بحذر وهي تردد: إنه على الحوض.
هاجمتها قائلة: ربما لن ترتاحي يا صغيرتي؛ حتى يضيع ولا نجده، نظرت لي باتهام.
أخذت تردد: تنساه في كل مكان إلا يدها، يزعجني تصرفك المستمر هذا، متى تكبرين وتتحملين المسئولية؟ متى تفهمين أن البنت مكانها الحقيقي في بيت زوجها؟.
أجبتها في الحال: لماذا تسأل العجائز عن خاتم الزواج دائمًا؟ الخاتم يباع في كل مكان، لماذا لا.. ؟.
بادرتني قائلة: أعرف كل شئ يا صديقتها العزيزة؛ لقد اتصل بي، وأخبرني: أنهما أنفصلا، هذه المرة العاشرة.
أجابتها: لكنها ستكون النهاية يا أمي، سأضع حدا لكل هذا.
انحنت وقبلت رأسها، ونظرت لي معاتبة، خجلتُ من نظراتها كثيرًا، للمرة الأولى أكذبُ عليها.
نهضتُ من أمامها، وجلستُ أستطلع المرآة، وزينتها، وعطرها والتفاصيل الدقيقة حول صداقتنا.
شعرتُ أنني أقود سيارة في طريق سريع، لا تسمع فيه صوتًا؛ إلا صوت الحديد الذي يحتك بغيره.
تنهدتُ بصوت عال، ثم سمعت صوت زفير ملتهب، يخرج محملًا بالالام.
تطلعت نحوي وهمست: ماذا سأقول لأمي؟ هي لا تعلم عن أحلامي شيئًا.
تذكرتُ للحظات أن أمي ماتت منذ عشرين عامًا، لم تفرح بي، لم تشاهد فستاني أو أولادي، لم تر ولو جزءًا قليلًا من انتصاراتي.
أجبتها: أنتِ لديك فرصة لتحقيق ذلك الحلم لها ؟.
همست: أكره القيود والأغلال، أكره الالتزامات والمسئولية؛ لماذا لم نخلق طيورًا تحلق في الفضاء، ولا تلمس أقدامها الأرض؟.
أعدتُ عليها السؤال: لماذا تهتم العجائز برؤية خاتم الزواج يقيد يدنا؟.
ضحكنا سويًا، وقررنا أن نخرج من لحظات الحزن هذه، نخرج لنحلق نحو الفضاء.
أمسكتُ بمقبض الباب، الباب لا يفتح، نادت بصوتها الناعم: أمي، أمي، الباب مغلق من الخارج.
لم نسمع إلا صوتها من خلف الباب، تردد بغضب شديد: فلترحل صديقتك لوحدها، لعلها تحلق عاليًا يومًا ما، أما أنتِ فسأعيد تربيتك من جديد، وهذه الغرفة علاجك حتى يعود لكِ رشدك.
همست في أذنها: الأم هي الأم، ألم تعلم أننا تجاوزنا الثلاثين من العمر؟.
أمي، أرجوكِ افتحي الباب، النقاش لا يكون هكذا.
لم ترد عليها، قررت طردي من غرفة صديقتي، حتى تقتنع ابنتها بذلك الزوج الثري، العائد من دول الخليج.
..........
عفاف علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق