القصة القصيرة
المخادع الماهر
الأديب الراقي
عبد الفتاح حموده
............
المخادع الماهر
ناصر هو الرجل الذى يعمل عند الحاج سعيد منذ نعومة أظفاره وكلاهما - ناصر والحاج سعيد - لايطيق كلاهما الآخر.. ولكن حاجه الحاج سعيد لناصر هى التي تمنعه أن يفرط فيه لأنه أكثر تفهما له.. ولكن لا يمنع أن يضيق به - أحيانا – ولا يتمالك نفسه عند غضبه في طرده شر الطرد وقد يفهم الشاهد لواقعه الطرد أنه قد تخلص منه نهائيا وماهي إلا بضعه أيام حتى يحث الرجل أبنه نشأت على أن يسعى لإعادة ناصر للعمل دون أن يخبره أو يخبر أي أحد أنه وراء هذا الأمر حفاظا على مكانته أمام الناس كصاحب عمل.
يشعر ناصر أن صدره قد بدأ يأن من ثقل الأحداث والمواقف التي عاشها في فترة عمله عند الحاج سعيد لدرجة أنه كلما جلس إليه أي أحد يتحدث معه حديث إنسان يعرفه منذ سنوات طوال رغم حداثة التعارف ولكنه يتحدث فقط ليخفف عن نفسه ثقل هذه الأحداث والمواقف.
ويتميز ناصر من بين العاملين عند الحاج سعيد بأنه أكثر فهما له ويمكنه إذا شاهده عند حضوره للعمل بأن يهمس لزملائه في العمل أن الحاج سعيد ليس على ما يرام اليوم ويحذرهم بألا يتحدث إليه أي أحد منهم في أي طلب له وقد حدث أن أحد الزملاء قد تجرأ وطلب زياده راتبه الشهري فهاج الرجل وثار وبالطبع رفض طلبه.
يروى ناصر أن الحاج سعيد في بداية حياته كانت يتاجر في الأقمشة ولكنه ذات يوم أثناء زيارته لأحد تجار المواد الغذائية وجد إقبالا شديدا على الشراء منه الأمر الذى تولدت لديه الفكرة أن يستبدل تجارته بالإتجار في المواد الغذائية رغبة منه في المزيد من الكسب.
ولأن الحاج سعيد لديه مهارة مميزة في التأثير على المرأة فقد تمكن من أن يستأثر بأهتمام زوجة هذا التاجر - التي تشغل وظيفة السكرتيرة - لدرجة أنها كانت تمده بالبضاعة التي يحتاج إليها من مخازن زوجها دون علمه.
وقد جاء لزوجها من يهمس إليه بما تفعله زوجته في الخفاء دون علمه ولكنه لم يصدق بل لعله لا يريد ذلك. إلى أن جاءه اليوم الذى وجد فيه الشكوك تتراقص أمام عينيه في سخرية وتهكم وذلك عندما أخبرته أنها تحمل مولودا منه..!
وهنا أشتد الحوار بينه وبينها في إدانته لها وهو لم يعد قادرا على الإنجاب وإنكارها لهذه الإدانة.. الرجل ضعفت قواه ولم يعد قادرا على مواجهتها والتصدي لها وبعد قليل سقط الرجل من الطابق العاشر الذى يقيم فيه ومات على الفور بينما أطلت الزوجة من الشرفة تصرخ بأعلى صوتها وهي تبكى أنها لم تتمكن من إمساك زوجها عند سقوطه.
وفي سرية تامة أتصلت الزوجة بالحاج سعيد تخبره بما حدث فطلب منها الحضور وأستأجر لها شقة تقيم فيها مؤقتا ريثما تهدأ الأمور.
ومن ناحية أخرى كانت شكوك زوجة الحاج سعيد قد بلغت أقصاها فلجات إلى حيله تجعل ناصر يأتي إلى بيتها ليشتري لها بعض احتياجات البيت وحاولت جاهده أن تعرف منه ما قد يغيب عن بالها من تصرفات زوجها ووعدته لن تخبر أحد عما يقوله لها بالإضافة إلى إعطاءه بعض المال له.
وناصر بطبيعته لا يقوى على كتمان أي سر في نفسه فسرعان ما أفرغ ما فى جعبته وبعدها يتذكر ما أوصاه به الحاج سعيد إلا يفشى أسراره لأى أحد مهما كان وشعر بفداحة ما فعله عندما وجد زوجة الحاج سعيد تبكى بشدة وتتحدث عن إحساسها بالندم من أنها تزوجت من هذا الرجل رغما عن رغبة أهلها.. وأنه قد سلبها كل ما تملك ولم تعد تملك شيئا على أمل أن يسدد ديونه ويستقيم حاله.
ولم تجد المرأة أمامها سوى أن تذهب إليه في مقر عمله لتواجهه بكل شكوكها وما علمته من أخباره وتصرفاته وسلوكه المعوج..
وهناك أستقبلها الرجل بأسلوبه المؤثر وأستطاع بمهارته الفائقة في احتوائها ليس هذا فحسب بل وأقناعها بأن كل شكوكها وما علمته من أخباره هي إشاعات تطارد أي تاجر لتفسد تجارته وتحبط سيره.
ولم تجد الزوجة أمامها سوى أن تعود إلى بيتها وأن كانت لازالت الشكوك قابعه في داخلها ولكن لا حيله لها ولا تملك دليلا واحدا..!
ناصر يتميز ببراعة فائقة في التستر على الحاج سعيد وإخفاءه وإنكار وجوده عن أصحاب الحقوق لتراكم الديون على الحاج سعيد لدرجة أنه حدث يوما أن جاءه من له حق عنده ووجد سيارته أمام مقر عمله فأخبره ناصر أن الحاج قد شعر بتعب شديد أستقل سيارة أجرة وترك سيارته وعاد إلى بيته....!
وذات يوم تزاحم أصحاب الحقوق أمام مقر عمل الحاج سعيد فأقبل عليهم ناصر بصوت عال وأنكر تجمعهم وأخبرهم أن الحاج سعيد قد أستلم شيكا بمبلغ كبير .. وذهب إلى القاهرة لإصلاح خطأ به وأخبرهم كل من له حق سوف يستلم ماله بالكامل دون نقصان...!
وذات يوم عرض على الحاج سعيد أحد أصدقاءه الذى يعمل في مطعم شهير تغيير نشاطه إلى مطعم للأسماك واللحوم وأخبره أنه له علاقات كثيره بالعملاء المميزين وأن ذلك من شأنه نجاح هذا المشروع.
وبالفعل أعدّ الحاج سعيد المكان ليكون مطعما مناسبا وساعده في ذلك صديقه الذى وعده أن يبذل ما في وسعه لإنجاح المشروع بتخصيص وتكثيف خبراته العملية فضلا على علاقاته بالعملاء ورجال الأعمال.
وبعد أشهر قليلة أشتد الخلاف بين الحاج سعيد وصديقه لأن المطعم لم يجد الرواج المناسب وكثرت شكاوى الجيران من رائحة العفن من اللحوم والأسماك التي تنبعث من المطعم نتيجة تراكمها وتخزينها لفترات طويلة.
ولاشك ازدادت الديون وتراكمت أكثر من ذي قبل على الحاج سعيد الأمر الذى كان يسعى لتكرار اختفائه عن الأنظار وملاحقة أصحاب الحقوق ويساعده في ذلك ناصر ببراعته وفطنته وسرعة بديهته.
وأثناء ذلك قام ناصر ليرد على الهاتف وبجواره يجلس الحاج سعيد فسأله المتصل :الحاج سعيد موجود يا ناصر
أجاب ناصر :أبدا غير موجود..!
مع تحياتي عبدالفتاح حموده
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق