وداعا ثروت
بقلم الأديب
عبد الفتاح حموده
.............
نشأت فى أسره فقيرة ..أبى كان يذهب صباحا لعمله كعامل فى إحدى الشركات ويعود فى الثالثة بعد الظهر يأكل وينام ولايشغل باله بشىء كل ماكان يفعله أن يعطى راتبه الشهري لأمى بعد أن يستقطع منه مبلغا له ينفق معظمه على التدخين.
أما أمى فيقع على عاتقها العبء الأكبر نحوى ونحو أخواتي وظروف معيشتنا فهى تخرج من الصباح الباكر وتعود فى ساعة متأخرة من الليل جثه هامدة حيث تتنقل بين بعض البيوت لتقوم على خدمه أصحابها ورغم ذلك إذا عادت تعد طعام العشاء لنا وغالبا ماكان يضم أصناف الأطعمة التى يعطيها لها بعض الناس الذين تقوم على خدمتهم.
وكثيرا ماكانت تأكل بعض اللقيمات وسرعان ما تنام مكانها لاتتحرك وتغضب إذا حاولنا إيقاظها لأنها أحوج للراحة حتى تتمكن من مواصلة عملها فى صباح اليوم التالى.
ومن يراها بنحافه جسدها الهذيل ووجهها الشاحب الذى يبدو عليه آثار الشقاء والمعاناة منذ صغرها لايصدق أنها تقوم بكل هذا الجهد.
أستيقظنا صباح يوم علي شجار حاد بين أمي وأبي بسبب حثها له علي إيجاد وظيفه إضافية أخرى لمواجهه متطلبات المعيشة ولاسيما كلما كبر الأبناء زادت الأعباء وارتفعت نفقاتهم واحتياجاتهم.
كنت فى غاية الضيق واليأس للظروف التى نمر بها ولعل جارتنا عايدة فى نفس البيت هى الوحيدة التى كنت أجد منها المواساه والتخفيف عنى من وطاه ما أعاني منه.
وفى أيام الإمتحانات الأخيرة لسنه أولى اعدادى وقفت مع بعض الجيران ممن هم فى نفس السنه الدراسيه نتحدث عن مايخص الإمتحانات ومن بينهم (ثروت)الذى ترك أثرا طيبا فى نفسى وكنت أراه مابين وقت وأخر وانا أطل من شرفه السطح الذى نقيم فيه لأن غرفته تطل على الشارع مباشرة ولعله لم يفطن إلى أننى كنت أنظر إليه .
وعلمت فيما بعد أن (ثروت)هو الوحيد الذى نجح فى دراسته أما أنا فقد توقفت عن مواصلة الدراسة بسبب ظروفنا الحرجة.
ساعدتنى جارتنا عايدة فى التعرف على شقيقة ثروت وبالتالى سنحت الفرصة للزيارات المتبادلة وتمكنت خلالها من رؤيه ثروت الذى تطورت علاقتى به تدريجيا.
وكان لثروت الفضل فى إقناعي لمواصلة دراستى بأقل تكلفه (نظام المنازل) ووعدنى بتقديم كل المساعدات الممكنة فى هذا المجال.
ومن هنا توطدت العلاقة بينى وبين ثروت ووجدت فيه الكثير مما كنت أفتقر إليه من الإحساس بالراحة وبريق الأمل يخرجنى من حياتى الصعبة التى كنت أعيشها ولاسيما مافعله أبى مؤخرا لم يكن بالحسبان أبدا ولم يخطر ببال أحد .
وجدنا أبى _سامحه الله_ قد ترك البيت وتزوج من امرأه أرملة وأقام معها فى شقتها.
وماكنت أخفى شىء عن ثروت إلا أمرا واحدا لم أستطع الإفصاح عنه وهو أننى فى مرحله من عمرى قد تزوجت عرفيا من (حسام)وهو أحد أقارب عايدة وتعرفت عليه أثناء زياراته لهم وكان لابد من إنهاء علاقتى بحسام فاتفقت معه على لقاء فى مكان ما لكى أخبره أنه لم يعد هناك ضرورة لاستمرار هذه العلاقة.
وأثناء اللقاء حدثت المفاجأة إذ رآنى شقيقى الأكبر على ، وهنا تعقدت الأمور أكثر
فر حسام هاربا أما أنا فقد أمسك بى أخى وجرنى بعنف نحو البيت وراح يقسو على بالضرب والسباب ورغم ذلك لم يشغلنى إلا ثروت وتمنيت أن يلتمس لى العذر ولو أنى بدأت أحس أننى قد أخطأت خطا جسيما إذ أن الظروف مهما بلغت ماكان ينبغى أن تكون دافعا لارتكاب مثل هذا الخطأ ونحن البشر عندما نخطئ نجد لأنفسنا مبررات كافية لنفعل مانشاء .
ورقدت بالفراش بضعة أيام من أثر الجروح والصدمات التى ألحقها بى أخى وهو يكيل إلى بكل مايقع فى يديه من أشياء.
وعندما بدأت أسترد عافيتى إلى حد ما نهضت من الفراش وهرولت إلى الشرفة أطل منها على ثروت وكلى أمل أنه سوف ينظر إلى أمري نظرة عاقلة كما تعودت منه ولكننى وجدت غرفته مغلقه تماما على غير المعتاد...
(عبد الفتاح حموده)