طيف
بقلم الأديب
سالم الوكيل
............
طيف
تَحْتَ جُنْحِ اللَّيلِ ، صَافَحَتْ أُذُنَيَّ أَنَاتٌ، وَشَقْتُ صَوْبَ الصَّوتِ المُخْتَبِئِ وَرَاءَ السَّوَادِ، بَادَرْتُ بِإِضَاءَةِ مِصْبَاحِ هَاتِفِي؛ فَإِذَا بِعَجُوزٍ بَائِسٍ ، رَثِّ الهَيْئَةِ، مُغَبَّرِ الوَجْهِ، تَقَمَّمَ ، اِتَّخَذَ حَوَايَا الكُنَاسَةِ مَأْوَى وَمَلْجَأً.
وَيْكَأَنَّهُ تَقَلَّبَ عَلَى رَمْضَاءِ البُؤسِ، وَاكْتَوَى بِنَارِ الفَقْرِ.
تَنْحَدِرُ مِنْ مُقْلَتِيهِ دُمُوعُ الانْكِسَارِ والخِذْلَانِ.
دَنَوتُ مِنْهُ ، أَخَذْتُ أُرَبِّتُ عَلَى كَتِفَيهِ ، نَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ ؛ فَإِذَا هُوَ يَطْفَحُ بِالعَطْفِ والشَّفَقَةِ، رَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ بِطَرْفٍ خَفِيٍّ كَأَنَّمَا يَتَطَلَّعُ إِلَى أَيَّامِ الصِّبَا . أَرَدْتُ أَنْ أَقْطَعَ عَلَيهِ حَبْلَ الصَّمْتِ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ حَبِيْسَ نَظَرَاتِهِ.
صَمْتٌ رَهِيْبٌ ، سُكُونٌ مُطْبِقٌ.
يَلُفٍُ اللَّيلَ صَمْتٌ مَهِينٌ إِلَّا مِنْ أَزِيْزِ أَنْفَاسِهِ المُتَلَاحِقَةِ، وَضَجِيْجِ عَيْنَيهِ الزَّاعِقَتَينِ ذِلَّةً وَقَهْرًا ، أَخْرَجْتُ مِنْ جَيبِي نُقُودًا .
بَسَطْتْ إِلَيهِ يَدِي؛ أَعْرَضَ عَنِّي ، أَدَارَ ظَهْرَهُ لِي ثُمَّ اِجْتَابَ الظَّلَامَ . تَرَكَنِي وَحِيْدًا .. وَقَدْ خَلَّفَ فِي نَفْسِي اِنْدِهَاشًا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق